من أبرز المتغيبين عن فعاليات أيام قرطاج المسرحية خلال هذه الدورة، المخرج المسرحي نور الدين الورغي الذي يحمل في الواقع تجربة مسرحية كبيرة، وسيرة فنية تجاوز صداها حدود المحلية الى موسوعة أكسفورد للمسرح... لماذا هذا الغياب أو التغيب، خصوصا وأنها ليست المرة الاولى التي يتغيب فيها الورغي عن المهرجان، إذ سبق أن تغيب عن فعاليات الدورة الفارطة كذلك... وكان في كل دورة يحمل عملا جديدا ومع ذلك لا يشارك في المهرجان؟!... «الشروق» التقت نور الدين الورغي بعيدا عن أجواء المهرجان فكان الحوار التالي، عن غيابه، وعن المسرح التونسي والعربي الآن، وعن عمله الجديد الذي تمنّى تقديمه في الدورة... هذه المرة الثانية التي يتغيب فيها مسرح الارض، ونور الدين الورغي عن فعاليات أيام قرطاج المسرحية لماذا هذا الغياب أو التغيّب؟! صحيح هذه المرة الثانية التي لا أشارك فيها في أيام قرطاج المسرحية، أي خلال الدورتين اللتين أدارهما هشام رستم... ففي الدورة السابقة أنتجنا مسرحية «محمد الدرة» ومع ذلك لم تقع برمجتنا في الوقت الذي كان المكرّم فيه هو المسرح الفلسطيني! وهذا في نظري عبث... وفي هذه الدورة أنتجنا مسرحية جديدة تعالج الواقع العربي الآن وهي «حوافز السبول»، ومع ذلك لم تقع برمجتنا بتعلة التأشيرة التي ححصلنا عليها منذ أيام، أي خلال افتتاح المهرجان... وأظن ان الاسماء والفرق المسرحية التي لها تجربة وقيمة فنية، لا يجب إخضاعها الى مثل هذه الاجراءات، لان التأشيرة قادمة لا محالة وكان من الممكن برمجتنا في انتظار الحصول على التأشيرة... أضف الى ذلك أننا شاركنا في أحد الدورات السابقة بعمل، تمت برمجته قبل الحصول على التأشيرة...! في كل المهرجانات المعروفة، هناك أسماء فنية لا يمكن التعامل معها بالجزئيات الصغيرة فمسرح الارض له تجربته وتاريخه الذي تم تدوينه حتى في موسوعة أكسفورد للمسرح، ومع ذلك اتبعنا الاجراءات الرسمية وراسلنا ادارة المهرجان مرتين، الاولى قبل الحصول على التأشيرة، والثانية بعد الحصول على التأشيرة... وحسب برنامج المهرجان هناك مواعيد كثيرة شاغرة، كان من الممكن برمجة مسرحيتنا فيها... ولعل الغريب في المسألة هو برمجتي شخصيا ضمن فعاليات الندوة الفكرية للحديث عن تجربة مسرح الارض... كيف أتحدث عن تجربتي، وأنا غير مشارك ولو بعرض واحد في المهرجان؟!... في نظري، يجب أن تستند المهرجانات الى مبدعين أكفاء وأسخياء في الادارة، يحبون الفن ويغارون عليه، وينبذون الصفات السيئة، لان إعطاء المهرجانات الى غير الفنانين الصادقين يؤدي الى دورات باهتة بلا رائحة ولا طعم ولا لون، وهو ما حدث في هذه الدورة... ألمس في كلامك حماسا كبيرا لتقديم مسرحية «حوافز السبول» في المهرجانات، لماذا؟ بطبيعة الحال كنت أتمنى تقديم المسرحية، وخصوصا في حضرة الجمهور والضيوف العرب، لانها تعالج الوضع العربي الآن، وكنا نود تقديم وجه آخر للمسرح التونسي، الذي يعالج قضايا الشعب العربي... وماذا تطرح المسرحية بالضبط؟ مثلما ذكرت تعالج الوضع العربي الراهن، وتحديدا فاجعة سقوط بغداد... ونحن في جل أعمالنا نطرح قضايا الحرب والحروب وحيرة الانسان العربي وموت أحلامه واندثارها... وقد تنبأت أغلب مسرحياتنا بما يقع اليوم في الوطن العربي من «تراجيديا الديوك» الى «ريح ومديح»... وفي مسرحياتنا دراسة للوضع «الجيوسياسي» أو «الجيوبوليتيكي»... وفي رأيي لابد على المسرحي العربي أن يطرح هذا الوضع، ولا ينساه أو يتناساه... فنحن الآن نعيش تراجيديا حقيقية تجاوزت حتى قواعد بناء التراجيديا اليونانية التي تحدث عنها أرسطو في «فن الشعر»... وأنا كمسرحي لا أرى نفسي أكتب مسرحية لا تستشف منها آلام وأحلام وطموحات الطفل العربي... وأقول الطفل العربي، لان الرجل العربي لم يفعل أي شيء فقد محقته الاحداث وجعلت منه طاووسا يتبختر في قذارات العالم. ولكن كل هذه القضايا تبدو غائبة في المسرح العربي الآن الذي لم يعد في الواقع يعكس مشاغل العرب الحقيقية! ربما، وهذا في نظري خطأ كبير... والغريب اليوم، هو أن الواقع العربي، وهموم العرب، وانبطاحهم تجده في المسرح الاوروبي وحتى المسرح الياباني، ولا تجده في المسرح العربي... أما قضايا البورجوازية الصغيرة، والتفاهات الاوروبية فتجدها في المسرح العربي والتونسي بالخصوص، يقدمونها مغلفة فيما يسمى بالجمالية المسرحية، وهي في الواقع «استتيقا» فارغة وجوفاء تحمل في طياتها ايديولوجيا متخلفة. هل يمكن اعتبار هذا التغييب للواقع العربي وهموم الشارع خصوصا من أسباب نفور الجمهور من المسرح؟ المتفرج الذي لا يجد ضالته ينفر، ولكن هذا لا يعني بالضرورة ان المسرحي يجب أن يلبي رغبات الجمهور أي أن يكون خادما أو عبدا لانتظاراته... على المسرحي أحيانا أن يكون عنيفا أو معنّفا للجمهور، يرجّه حتى يستفيق ويستعيد الوعي... ولكن يجب على المبدع أيضا أن يكون ملمّا ومطلعا على قضايا البشر... ويكون بالخصوص صادقا... وهناك أسباب أخرى وراء نفور الجمهور من المسرح، مثل تقصير الاعلام وتحديدا السمعي البصري، وغياب الفضاءات بالخصوص، كيف تريد من المسرحي أن ينشط وهو لا يملك فضاء يتمرن فيه ويعرض فيه... أين سيستقبل الجمهور... هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية كشفت بشكل بارز مشكل الفضاءات المسرحية في تونس... هناك غياب رهيب وفظيع للفضاءات... مثلا لا يمكن أن نتحدث عن احتراف مسرحي في تونس، لان الممثل الذي لا يباشر عمله يوميا لا يمكن أن يكون محترفا. لاعب كرة القدم مثلا يمكن أن يكون محترفا لانه يتمرن يوميا وفي الملعب بالخصوص... هناك من الضيوف والنقاد العرب من وصف المسرح التونسي، وخصوصا في السنوات الاخيرة، بالتقهقر... هل توافقهم هذا الرأي؟ في ظل غياب التجارب الرائدة والهامة، والمجددة، والمتجددة، وتقديم الاعمال الباهتة والمنسوخة بشكل مشوّه، يمكن القول ان المسرح التونسي بدأ يتقهقر أو يتراجع... والتقهقر هنا في رأيي، المقصود به القضايا التي يعالجها المسرح التونسي. هناك انسلاخ عن الواقع الاجتماعي والسياسي وعدم التصاق بقضايا الناس وهمومهم، وأفكارهم... وهذه الملاحظات صحيحة نسبيا، لاني أعتقد أن المسرحي الذي لا يمتلك خلفية فكرية وثقافية لا يمكن أن يقدم مسرحا عميقا وهاما وناضجا فيه قوة الفكر وسداد الرأي ووضوح الزوايا... كانت لمسرح الارض تجربة مع مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية في انتاج البرنامج الثقافي «ذات صيف» وكانت التجربة جيدة... لماذا توقفت هذه التجربة؟ صحيح كانت التجربة جيدة، ولكن التلفزة هي التي قررت بعد بث عدد من الحلقات ايقاف البرنامج... وهذا في نظري قرار خاطئ، وخصوصا في ظل المنافسة أو التنافس الحاد بين الفضائيات اليوم من أجل تقديم مادة راقية ومن الضروري إذن فتح نافذة على الثقافة، ودعم الانتاج السمعي البصري الخاص والتركيز على القيمة الفنية لكل إنتاج تلفزي، وهذا يدخل في التوجهات الرسمية...