أمام جمهور غفير من المسرحيين والاعلاميين وأهل الثقافة والفن قدّم الفنان نورالدين الورغي مساء الثلاثاء 21 أكتوبر بقاعة الفن الرابع بالعاصمة عمله المسرحي الجديد «حوافر السبول». ويحمل العمل الى جانب نورالدين الورغي في كتابة النص والاخراج، امضاء الممثلين ناجية الورغي ومحمد توفيق الخلفاوي ونادرة التومي في الاداء ومكرم الغزي في التوظيب العام وقيس رستم في السينوغرافيا ومهدي باكير في الاضاءة. ويأتي هذا العمل في الواقع بعد رحلة طويلة من المعاناة قضاها الفنان نورالدين في البحث عن فضاء يتمرن فيه فريق المسرحية.. وانتهت الرحلة في دار الثقافة والشباب دوار هيشر حيث تم اعداد العمل. «حوافر السبول» ورائحة الأرض و»حوافر السبول» مثلما يوحي العنوان الذي اختاره الورغي هو امتداد لتجارب مسرح الارض حتى في اختيار العناوين بالنسبة للأعمال التي ينجزها مثل «تربة بالعسل» و»نوار الكالتوس» و»أغاني الارض» و»حبة رمان» و»نسمة ريحان»... وهي عناوين تحمل في أغلبها رائحة الارض كعلامة مميز لمسرح الارض. وفي هذا العمل الجديد «حوافر السبول» يتواصل عبق الارض ولكن في أرض قد تبدو بعيدة جغرافيا ولكنها قريبة من قلوبنا تحمل نفس «السبول» او السنابل فمن تونس تقرر احدى الفرق المسرحية التونسية «مسرح الارض» الذهاب الى العراق لتقديم عرض مسرحي ««تراجيديا الديوك» لمسرح الارض» على مسرح الرشيد في بغداد ولكن هناك يصطدم فريق المسرحية باندلاع الحرب فيختلط الواقع بالخيال مشكلا تراجيديا او مأساة حقيقية أقوى من «تراجيديا الديوك» وتراجيديا المسرح اليوناني. من آيات الأخرس الى بغداد ويطرح الورغي من خلال النص الشاعري الذي وضعه للمسرحية مآسي الحروب ومخلفاتها من خلال الحرب الاخيرة على العراق والحرب في فلسطين.. وتبدأ المسرحية بالعمل الفدائي الذي قامت به آيات الاخرس ضد الصهاينة في فلسطين دفاعا عن شرف الارض ثم تمتد الى بغداد أو بلاد ما بين النهرين حيث يتهاوى المسرح على من فيه نتيجة القصف والقنابل والصواريخ التي دمرت المدن والأحياء وكل ما تحمله من بشر وحضارة وتاريخ الى درجة اختلاط أشلاء الجثث بأشلاء الآثار التاريخية... وفي ظل هذا الدمار الشامل يتساءل الورغي عن دور المسرح في مثل هذه القضايا والحالات المأساوية.. ويبرز المسرح هنا كحطام يقدم أبطالا من ورقا أمام جمهور ميت أو غائب لا أثر له في العملية المسرحية. والحرب في المسرحية ليست مادية فحسب بل فكرية تدور رحاها في الاذهان كذلك من خلال المواقف المتناقضة التي تروج لها وسائل الاعلام مشكلة في جهاز الراديو المتقطع الارسال والمتداخلة اذاعاته والصحف التي تجاوزها الزمن فأصبحت غريبة عن قرائها والفضائيات التي تدعي العجلة في نقل الخبر بعيدا عن أمكنة الحدث. المسرح في المسرح في «حوافر السبول» أبى المخرج نورالدين الورغي ان يظل صامتا أمام ما يحدث الآن في الوطن العربي نتيجة تراكم الأزمات مخيرا المباشرتية او الخطاب المباشر في التواصل مع الجمهور ولكن دون القفز او تجاوز جماليات المسرح التي كشفها النص الشاعري للمسرحية ولعبة المسرح التي كشفت كفاءة الممثلين في الأداء والتنقل من الشخصية الواقعية الى الشخصية الدرامية او الخيالية. وكان الاداء عموما وخصوصا لدى الممثلة نادرة لملوم موفقا وناجحا في التعبير عن ازدواجية الشخصية. ولم تبخل الممثلة ناجية الورغي من جهتها وكعادتها على اعطاء العرض روحا هزلية.. كما أكد الممثل محمد توفيق الخلفاوي حضوره بعد غيبة طويلة عن الخشبة. وتبقى السينوغرافيا والديكور وخصوصا تصميم معلقة المسرحية على شكل الصفحة الاولى لصحيفة «حوافر السبول» من أجمل العناصر التي أبدعها مسرح الارض في هذه المسرحية. وعبرت الاضاءة في انسجامها مع هذه العناصر عن جمالية مميزة وتوظيف محكم للدلالة على الحرب والدمار وخصوصا في الاشارة الى العلامة المميزة لمسرح الارض في تساقط الغبار نتيجة قصف المسرح.