بعد الإعلان عن انتخابات أكتوبر الفا رط، وفي خضمّ كل ذلك اللغط الذي حام حول تغيير وزاري مرتقب، ورد في «الشروق» أن البيت السياسي مرتّب بطبعه، فالمشهد الذي أفرزته الانتخابات عادي ومنطقي والوضع الاجتماعي مستقر ومنسجم، والرأي العام في عمقه متناغم مع هذا الذي يرى، ومهتمّ بما هو أبعد من تفاصيل السياسة التي فوّض أمرها للنّخبة. ويعني هذا التوصيف مباشرة وبكل وضوح أنه إذا كان لا بد من الاهتمام بالشأن الوطني، فإن زاوية الاهتمام عليها أن تتجه صوب تلك التفاصيل الأبعد من السياسة، والأهم منها وأرقى، نظرا لتأثيرها المباشر في حياة الناس، وفي ظروف معيشتهم، وهي بالطبع زاوية الاقتصاد، والمال، والخدمات. وفي هذا الصدد يمكن الاشارة الى ما حُوّر في وزارات على علاقة بهذا الملف فتلاحظ أن: ثلاث وزارات دخلها ولأول مرة وزراء جدد، وهم محمد رضاء شلغوم في المالية، ومحمد الناصر عمار في تكنولوجيا الاتصال، ومحمد العقربي في التكوين المهني والتشغيل، وثلاثتهم خرّيجي نفس الاختصاص تقريبا. تحوّلت وزارة الصناعة والطاقة والمؤسسات المتوسطة والصغرى الى وزارة الصناعة والتكنولوجيا وحافظ فيها السيد عفيف شلبي على حقيبته. بقي السيد محمد النوري الجويني وزيرا للتنمية والتعاون الدولي والسيد توفيق بكّار كمحافظ للبنك المركزي. وبعيدا عن هذا المعطى يلاحظ أن النشاط الرئاسي ذاته، اتخذ بعد 25 أكتوبر 2009 صبغة اقتصادية في أغلبيته، خصوصا عند لقاءاته بالوزير الأول وذلك تجسيما مبكّرا لبرنامج رئيس الدولة الاقتصادي الذي قدّمه خلال ترشحه. وبالعودة الي ذات المعطى نلاحظ أنه تقرّر اليوم الأربعاء 20 جانفي الانطلاق في الحملة الوطنية لإحداث وتنمية المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تلتئم تحت إشراف سيادة رئيس الجمهورية، وذلك في كل الولايات وبصفة متزامنة، وسيكون موضوع هذه الدورة: استراتيجية الصناعة التونسية في أفق 2016 وفرص الاستثمار المتاحة للباحثين الشبان، وستعرض شهادات لمشروع ناجح بكل ولاية وكذلك مجموعة من المشاريع الجديدة للترويج لها لدى هياكل التمويل. وسيتولّى الولاة الاشراف على هذه اللقاءات بمشاركة المستثمرين والباعثين وأصحاب أفكار المشاريع والمديرين الجهويين لهياكل الدعم والمساندة وممثلي البنوك وشركات الاستثمار وعدد من الطلبة وخريجي التعليم العالي، فيما يقدّم وزير الصناعة والتكنولوجيا اليوم أيضا بصفاقس عرضا عن الدراسة الاستراتيجية حول الصناعات التونسية في أفق 2016، في إطار تظاهرة اربعاء المؤسسات التي ينظمها مركز أعمال صفاقس بالاشتراك مع غرفة التجارة والصناعة والاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة ووكالة النهوض بالصناعة. إن هذا الذي ورد يشرح في اعتقادنا الكثير من دلالات ومعاني وغايات التحوير الوزاري الأخير، ويعلن بوضوح عن أولويات طرحها رئيس الدولة ومرّ مباشرة بعد انتخابه لتجسيدها على أرض الواقع، وعيا منه وإيمانا بفتح الملفات الخاصة بالنمو والتطور وبما يحقق الطفرة الاقتصادية المرجوة، ألم يقل إنّ الرهان الأكبر لهذه المرحلة هو الارتقاء بتونس الى مرتبة البلدان المتقدمة؟