منذ الحكم عليّ بالاعدام المدني على حد عبارة محمد بنيس ومنذ اغتيال عضويتي من اتحاد الكتاب التونسيين بعد محاكمة صورية في مقر المنظّمة لم يُسمح لنا فيها أنا وزميليّ محمد الهادي الجزيري وضافر ناجي حتى بالتنفس في السابع عشر من ديسمبر 2003 بسبب دفاعنا عن التعبير الحرّ وحق الاختلاف، لم أعد الى هذه الجمعية الا خلال المؤتمر السابع عشر المنعقد في أواخر شهر ديسمبر 2008 بعد إلحاح شديد من الاصدقاء وصل حدّ الاحراج وبعد اعتذار المؤتمرين باسم الهيئات السابقة لما لحقني من ظلم وتنكيل وتشويه. وقد استبشرت خيرا بفوز أغلبية جديدة في مقابل الحرس القديم من أجل اعطاء نفس جديد لمسار الجمعية التي مرّت بأزمة كادت تعصف بوجودها بسبب الممارسات اللاقانونية التي كانت سائدة. وانتظرت اكثر من سنة كاملة، كنت خلالها، أقترح الافكار التي تدفع بمسيرة الاتحاد وأحاول تطويق الخلافات التي تنشأ بين بعض الأعضاء وقيادة الجمعية وأساعد على الاصلاح كعضو عامل. انتظرت أكثر من سنة وأجّلت توجيه هذه الرسالة المفتوحة تأجيلا جعل البعض يعتقد أنني أصبت بمسخ جعلني شيطانا بلا أذنين...لذلك ارتأيت أن أخاطب الروح الابداعية في ما يهمّني في هذه الهيئة، مستمرا في بث روح الاخاء والصداقة بين الاعضاء بعد تلك السنوات من الشروخ والقروح التي أصابت علاقات الأدباء بسبب الجهل واللامسؤولية والخوف من الحريّة... ولقد قدّمت الكثير من مجموعة من الأوفياء لمدّة سنوات من أجل أن يكون اتحاد الكتاب منظّمة حديثة حرّة وقويّة تفتح لأعضائها آفاقا جديدة، ومازلت مستعدا لأكثر من ذلك. لابد من التذكير في البداية بأن اتحاد الكتاب ليس كغيره من المنظمات والجمعيات، فهو يستمد أهميته من خلال ما لأعضائه من ميزات ليست بالضرورة تفضيلا لهم عن الآخرين تجعل من انتمائهم لهذه الجمعية محلّ اعتبار... إذ أنها من جهة هي تجمّع لأعضاء لهم لهم انتماءات مهنية مختلفة ومن جهة أخرى لهم أحلام بالانتماء الى الكتابة والابداع كمهنة، ولذلك فإن مطالبهم تكون متعدّدة ومتناقضة... فتراهم ينظرون الى اتحاد الكتاب كمنظّمة لها أهداف مطلبية... ومن جهة أخرى فإن كل اعضاء الجمعية ينشغلون بحرفة الكتابة... إذ ما يمكن أن يتم بين أعضاء جمعيات أخرى من نقاشات شفوية أو صامتة يتم لدى أعضاء جمعيتنا كتابة ونشرا وهو ما يجعل اتحاد الكتّاب يستحوذ على خطاب ثقافي رمزي في مقابل الخطاب السياسي الكمّي. ولذلك فإن الاتحاد مسؤول عن تطوير خطاب غير مفصول عن الواقع المجتمعي وعن تطلّعات جميع فئات الشعب التونسي في الرهانات الحضارية المطروحة اليوم وفي التحديات والمسائل الملحّة التي تواجهها الأمّة. يستند الخطاب الثقافي في المقام الاول الى الحريّة والتعدد والاختلاف واللانهائي في حين أن الخائفين من الحريّة يقومون بارغام الآخرين على الاستسلام الى حقيقة الخطاب السياسي عندما يكون امتدادا الى حقيقة الخطاب الديني الواحد الأحد الذي لا يتعدد... والمشكلة هنا ليست في السياسي وإنّما في ارغامه من قبل «المثقفين المفترضين» ليكون واحدا غير متعدّد من أجل تنفيذ أحكام الاقصاء والتهميش. والنتيجة الفورية لذلك هي تنفيذ الإعدام الأدبي الرمزي لكل مخالف للرأي وذلك عبر إمّا الايعاز بمنعه من كتابة المقالات في الصحف أو الايعاز بمنع تلك المقالات من النشر ومثلما ذكرت سابقا فإن الكاتب من خلال مفهومه لا يعبّر ولا يتكلّم الا كتابة وكل فعل يمنع تلك الكتابة أو يضيّق عليها إنّما هو يقوم مقام تكميم ا لأفواه واخراسها خوفا من الحريّة! وهذا ما يجعلني أذكّركم بأن المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها اتحاد الكتاب أصبحت بفعل نضالنا ونضال أجيال سابقة من المبادئ العامة والمبادئ الاساسية التي لا تقبل المساس... ولذلك أطالبكم اليوم أعضاء الهيئة المديرة بالامتثال لتوصيات البيان الختامي للمؤتمر السابع عشر الذي يشير الى ضرورة تنقيح النظام الاساسي والقانون الداخلي للاتحاد حتى يصبح أكثر استجابة لتطلّعات الاعضاء وحماية حقهم في التعبير الحرّ دون التنكيل بهم او التضييق عليهم في رزقهم ومعيشتهم تبعا للمواثيق الاقليمية والدولية لحقوق الانسان. الإخوة غالبية أعضاء الهيئة المديرة! لا أسعى من خلال تدخلي إلا «لوضع الأمور في نصابها» على حدّ التعبير الدارج ولا يجب أن يُفهم ذلك على أنه محاولة لاحباطكم وإنما يجب أن نقتنع جميعا أن الفائزين بالأغلبية في انتخابات حرّة ونزيهة لهم مهمّة القيادة وللأقلية المعارضة الحق في التعبير الحر والنقد وحتى الانتقاد... وما عليكم سوى استغلال ذلك لتطوير عمل الاتحاد والتحرّر من الواحدية والانغلاق الذي يصدّ الاعضاء عن ابداع حوار حضاري وخطاب ثقافي يستبق الخطاب السياسي وينير له السبيل. ولن ننجح الا إذا تسلّحنا برؤية وهدف... والرؤية لابد ان تكون ايجابية، تنطوي على نوع من الشمول والعناصر التي تعطي أوسع مدى ممكن ويكون الهدف منها هو الاسهام الفاعل في الارتقاء بمنظّمتنا من وهاد الضرورة الى مستويات الحرية في عناد واصرار وصبر ومرونة وإيمان بأهمية الفعل وتحمّل التضحيات ومواجهة الصعوبات... ولعل أهم الصعوبات التي نواجهها في علاقتنا كأعضاء إتحاد الكتّاب هي البيروقراطية التي عجزت الى حدّ الآن ومنذ سنة مضت على تنفيذ مطالب الأدباء التي استجاب لها رئيس الجمهورية متمثّلة في بطاقة كاتب وصندوق تآزر الكتّاب وتشغيل عشرة أدباء ممن طالت بطالتهم. كالأمواج وهي تغنّي حريّتها الحزينة حين تتجه الى الشاطئ بلا هوادة راغبة في الانعتاق، لن أنتظر أجوبة بقدر ما أنتظر ممّن تقاسمت معهم وعثاء السبيل، سبيل الحريّة أن لا يخونوا مرّة أخرى روح الانوار الأبدية التي تشدّنا الى الحلم بالمطلق... لن أنتظر أجوبة بقدر انتظاري لشجاعة في مواجهة الحريّة: حرية القول وحريّة الفعل... لا تخافوا إنها ليست بعبعا! إنها ضفّتان واحدة لرحيلنا الى قمم الزبد العالية وأخرى للضحكات السعيدة... حبي الأبدي.