- اليوم اتصلت بالاستعلامات الهاتفية للسؤال عن رقم دار الثقافة ابن رشيق. أجابني صوت موظف شاب.بعد فترة من الانتظار. جاء الرد من الموظف الشاب، الذي حسب القانون لا بد أن يكون لديه على الأقل شهادة البكالوريا وبعض سنوات جامعية. «الرقم غير موجود. ممكن أن يكون ابن رشيق سجل هاتفه باسم شخص آخر». بحثت في لسان العرب عن معنى كلمة الجهل فكانت «الجهل عدم اتباع العلم». - اليوم ركبت تاكسي، وأنا مخلصة للتاكسيات. طلبت من السائق ايصالي لباب سويقة، وأقسم أنني كنت مجبرة للذهاب لموعد أكيد رغم ارادتي. التفت الي سائق التاكسي، وحدق بي بازدراء وغضب. لماذا باب السويقة صباح الاثنين، لم أتجرأ سؤاله ان كان يحصل فرقاً لو كان الثلاثاء أو الخميس، لكن لم أتكلم وعادة لا أحب الكلام كثيراً في الصباح بعد فنجان قهوة يتيم. استمر على نفس الموال، يحتج ويتمتم، ولا أفهم الا كلمة باب السويقة تتردد بين همهماته. ضاق قلبي وربت على كتفه معتذرة. «خوي . اختار أي مكان يرضي مزاجك لصباح الاثنين، سأذهب اليه، وليذهب موعدي للجحيم». اليوم وبسبب ظروف قاهرة اضطررت ركوب الحافلة. قلت لنفسي: أنا لست أحسن من الناس، وبصراحة أنا لا أخاطر بركوب الحافلات أو أي وسيلة عمومية ماعدا التاكسيات، لسبب وجيه، فبقدر ما علاقتي مع الأشخاص متميزة، علاقتي مع الأماكن غريبة نوعاً ما. لأنني لا أعرف الاتجاهات، لا أفرق بين اليمين واليسار، ولا أفهم بالعناوين، ولا أتأقلم مع العواصم المتفرعة وأماكنها المجهولة، وفي كل مرة حاولت أن أتشاطر عوقبت بالضياع والسؤال والتأخير. حتى في التاكسي أرسم العنوان على ورقة بالتفصيل حتى لا أضيع. ولا أغير اتجاه بيتي الذي تعلمته حتى ان كان طريقا آخر أقرب. على كل. هذه المرة قررت ركوب الحافلة، « ليش لا» بعد ما انطلقت الحافلة نظر إلي الجميع وكأنني من كوكب آخر. كنت أرتدي ثياباً محتشمة بسيطة، لكنني أحسست فجأة أنني ربما أرتدي قميص نوم. كراسي الحافلة عجيبة، فقط على الجانبين تحت الشبابيك، مثل الحديقة العمومية. تسيطر في الجو رائحة احتراق لحم بشري. التفت يميناً ويساراً أتعرف على عالم أعيش ضمنه. لكن احساسا بالوجس بما لا أعرفه. حركة سريعة وطاعنة ضمن تفاصيل صغيرة أجهلها. حاولت أن أسيطر على الوضع بالنسيان. ثم بحساب الكلمات المشينة بين الكلمات التي تعلمتها منذ الطفولة، من الأسهل أن أحسب الكلمات الخارجة عن قاموس لغة الحافلات والتي لا أدري أين أصنفها. تلتفت الفتاة الجميلة غاضبة متمردة. وتشتم الرجل وراءها. لا يبالي. ولا من في الحافلة يبالي. أترك مكاني لسيدة حشرت نفسها بين الركاب وهي تحمل طفلاً، يهزأ مني الشاب: النساء يطلبن المساواة، عنده حق هذه لعنة المساواة. يصيح القابض «قدموا القدام، ما تفهموش يا...» تتوقف الحافلة مرات ومرات ليندس في أتونها وقود بشري. في كل محطة أجساد تتراص بنزق واحتجاج. وجوه هجرتها الحضارة. وجوه وكأنها تعيش خارج الزمان والزمن. أتأمل... فصيلة واحدة. لكن لا أحد من الركاب يشبه الآخر. عند النزول نظرت للباب متوقعة أن يكون هناك لافتة تحمل ماكتب على باب الجحيم «عن كل أمل تخلوا أيها الداخلون هنا». اليوم سألتني طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها تبينتها عاطفياً، تعمل والدتها عند صديقتي، سؤال فائق الذكاء، يختصر صفحة من النقد الصحفي: «خالة رشا هل يتفرج مدير التلفزة على التلفزة؟» والفاهم يفهم؟ اليوم وأنا أتأمل الخطوط البيضاء المتزايدة وسط الشعر الأحمر، تساءلت هل الخطوط سببها اقتراب يوم مولدي. أم ما أعانيه من مشاهد تلفزيونية. وأخبار صحفية، عن جدار مصر العربية، الحق الذي يراد به باطل. مع أن عبد الناصر قال في أحد خطبه: «الخائفون لا يصنعون الحرية، والأيدي المرتعشة لا تقدر على البناء».