... نفوس حائرة وعيون دامعة وأبصار زائغة وأدباش مبعثرة ومحترقة... وألواح وبقايا أثاث مبعثرة على الرصيف... وطفلة صغيرة بقيت واجمة صامتة مسندة ظهرها على حاشية بالية تفوح منها روائح رطوبة الأدخنة وهي تجهل ببراءة طفولتها بشاعة الكارثة التي تسببت في حدوثها. ... هذه صورة مأسوية من مخلفات الحريق الهائل الذي شبّ صباح أول أمس الثلاثاء بمنزل كائن بأحد الأحياء جنوب معتمدية حفوز والذي أتت نيرانه على كل المحتويات (أجهزة وأثاث وأدباش) ومن ألطاف الله أن الطفلة الصغيرة «نجاح» قد نجت بأعجوبة وتم انتشالها واخراجها من منطقة الخطر وقد كانت في حالة ذعر وخوف بعد ان عبث الدخان ببشرة وجهها. لعبة الولاّعة أحرقت المنزل وحسب المعلومات التي جمعناها ومن خلال زيارتنا الميدانية لموقع الحادثة فقد استفدنا وأن صاحب البيت وهو كهل في منتصف العقد الخامس من عمره دفعته الخصاصة الى تحصيل رزق يومه بعرق جبينه فيخرج كل صباح مع زوجته ليُقضّيا الساعات الاولى من النهار في بيع «الكسكروت» بأحد الارصفة عند الشارع الرئيسي من المدينة وقد تعوّدا ان يتركا ابنتُهما «نجاح» التي تبلغ من العمر أربع سنوات داخل المنزل ويعودا اليها مع وقت الغداء. ... وقد شاء القدر بأن تتسلى الطفلة صباح يوم الثلاثاء بولاّعة غازية التقطتها من المطبخ لتنبهر بومضة النار التي تطلقها ودون ان تدرك خطورة عواقبها... وفجأة تعلقت شرارة من النار بأحد الستائر الداخلية بغرفة النوم وسرت ألسنة اللهب بسرعة في كل الاتجاهات وبدأت تلتهم كل ما يعترضها من حشايا وملابس وأغطية وأجهزة ثم علقت بألواح المكتبة والأسرّة. فزعت الصغيرة وبقيت متسمّرة في مكانها لبرهة من الزمن وقبل أن يداهمها مارد الموت الأحمر هرولت من شدّة الخوف الى الغرفة المجاورة... ومن أثر الصدمة بقيت جاثمة على ركبتيها تبكي في صمت وهي عاجزة عن الصياح او طلب الغوث. تدخلات سريعة تصاعدت النيران الى الأعلى وتدافعت معها أدخنة كثيفة فوصل الخبر بسرعة الى أعوان الأمن فاندفعوا مع ثلة من المتطوعين داخل المنزل وتكفّل البعض منهم بإنقاذ الطفلة التي كادت ألسنة النيران تلتهمها لو تأخرت عملية المداهمة قليلا وحوّلوها الى المستشفى للإطمئنان على صحتها فيما انشغل البقية بإخماد الحريق وتطويقه قبل ان تتوسع دائرة الخطر نحو المنازل المجاورة. دموع الأمل والألم في ركن من البيت الذي كان خاليا من أثاثه وأدباشه، وجدران وأرضية ملوثة بالسواد التقينا بالسيد عبد الستار الزايدي صاحب البيت الذي كان حزينا وكئيبا من هول الفاجعة فأفادنا بنبرات حزينة وخافتة قائلا: «حين علمت بوقوع الحادثة ارتخت كامل أعضائي وبادرت بالسؤال عن حال ابنتي الصغيرة لأن جزعي الاكبر كان عليها... حمدت الله بعدها لأنها بخير وبقيت على قيد الحياة وهي عندي أغلى من البيت وكل محتوياته». مدّ تضامني أما السيدة شذلية أم نجاح ورغم حالة الذهول التي كانت عليها فقد أعربت عن شكرها الجزيل لكل من عرّض نفسه للخطر وساهم في إخماد الحريق وانقاذ طفلتها.. كما نوّهت بلمسة الكرم التي تلقتها من السلط المحلية بإذن من السيد والي القيروان حيث تم الاسراع بتمكين العائلة المتضررة من تجهيزات جديدة واصلاحات عاجلة لمحو الآثار التي خلّفها الحريق.