يبدو أن المحنة التي يعيشها اليمن منذ سنوات طويلة لن تنتهي بمجرد إعلان التوصل إلى هدنة هشة مع المتمردين الحوثيين قبل أسابيع لأن المشاكل التي يتخبط فيها البلد الأشد فقرا في الوطن العربي تجاوزت الأبعاد الطائفية والقبلية، وهي أعمق من أن تجد سبيلها إلى الحلّ في غياب موقف داخلي قوي موحّد ومتماسك وفي غياب رؤية عربية مشتركة لإنقاذ اليمن من حالة التشتت واشتداد المحن. فقد عادت التحركات والمظاهرات المنادية بانفصال جنوب اليمن عن الدولة المركزية هذه الأيام بشكل لا سابق له منذ إعلان الوحدة في تسعينات القرن الماضي، وبدت هذه التحركات أيضا مبطنة بتهديدات لا قبل للدولة اليمنية باستيعابها ولا بالتصدي لها سوى اللجوء إلى القوة لقمع المتظاهرين وإخماد أصوات الفتنة المنادية بالانفصال وإعلان استقلال جنوب اليمن. ولا شك أن من يقف وراء هذه التحركات قد اختار التوقيت المناسب لاطلاق الدعوة إلى الانفصال إذ لم تكد صنعاء تعلن نهاية الجولة السادسة من الحرب على الحوثيين (رغم ما شاب هذه الهدنة من خروقات متكررة) حتى علت أصوات ما يسمى «الحراك الجنوبي» وتحرك الشارع هناك بل ورفعت أعلام الجنوب على بعض المباني في تحدّ واضح للدولة اليمنية التي لم تجد الوقت الكافي لالتقاط أنفاسها وتسخير مقدراتها لمكافحة هذا الحراك. وبصرف النظر عن الجهة التي تحرّك قوى الجنوب وتحرضها على تفتيت اليمن، ومع الأخذ في الاعتبار أن المعركة مع الحوثيين لم تنته وأن الحرب على تنظيم «القاعدة» النشط بقوة هناك لم تضع أوزارها يبدو اليمن اليوم في أوكد حاجة لالتفاف عربي بالأساس ليحبط هذه المكائد، ويبعد عنه شبح التقسيم وليعيد إلى البلد بعضا من سعادته المفقودة والتي نهشها الطامعون، فعسى أن تكون القمّة العربية المقبلة مناسبة لفتح ملف اليمن ومعالجته معالجة تتجاوز الخطابات وترتقي إلى الأفعال التي ينهض بها هذا اليمن ويستفيد ويستعيد صفة «اليمن السعيد».