لكل شعب هويّة وجذور وثوابت وخطوط حمراء تحصّن أركان مقوّماته الاخلاقية الدينية واللغوية والتراثية. وهذا مشهود به لعديد الدول والشعوب في العالم رغم الهجوم الرهيب والغزو السمعي البصري الرقمي المخترق لكل الحواجز. ونحن عندما نشاهد بعض الاختلالات والسقوط عبر القنوات التلفزية الاجنبية عادة ما نقول: «هذا ليس منا ولا يهمّنا ولا يعكس صورتنا فلا نتأثر به ولا يُثير غضبنا». ولكن إذا كانت المعاول منا وموجّهة إلينا تضرب ثوابتنا قطرة قطرة بصورة واضحة وجليّة وتحرج عائلاتنا فالسكوت يصبح جريمة أمام تواصل مشاهد الخور باصرار وعن قصد خاصة وأن قنواتنا بدون استثناء لم يبق الامر فيها مجرد اجتهادات أو زلاّت لسان بقدر ما هو نهج متعمّد ومتكرّر رغم النصائح والملاحظات والاحترازات والصرخات التي نقرؤها باستمرار عبر الصحافة المكتوبة وخاصة «الشروق» الاكثر انتشارا بامضاء صحفيين مختصين ومشاهدين. فقنواتنا هذه كما في برامجها من افادة وخدمات وترفيه فيها ايضا كثير من الارتجال والهشاشة والفراغ والميوعة الزائدة، حيث تعدّدت برامج التنشيط المباشر التي لا تقدّم شيئا غير الرقص والعراء والحركات الهابطة. كما نجدها أحيانا تناقش مسائل حساسة لا يخلو منها مجتمع في الدنيا يُمكن السكوت عنها أو تناولها عبر السينما او الكتابات او المؤسسات المختصّة وتجنّب عرضها على العائلات في أوقات الذروة كالشذوذ الجنسي ومعاشرة النساء للرجال خارج الروابط القانونية والشرعية واطلالات مجهولي الّنسب والمتسوّلين والمطلّقات تحت شعار الشفقة وايجاد الحلول كأنما هي محدودة ومعزولة تعالج وينتهي الأمر. وإذا كان بوزيد وبوغدير وغيرهما قد أسّسوا لتعرية النساء في السينما فعزاؤنا أن الأفلام لا يراها الا هواتها وفي قاعات مغلقة ولا يُعقل أن تتعرّى منشّطة تلفزية الا من بعض قماش شفاف قصير ومستفز أمام جميع المشاهدين باختلاف اعمارهم وأصنافهم وتصرّ على ذلك في كل حلقة تنشّطها. أما جماعة قناة برلسكوني فحدّث ولا حرج انتظرنا منهم «نسمة» منعشة تثري المشهد الاعلامي وإذا بهم ينفثون رياح صرصر أو شهيلي حربا على اللغة العربية ومقوّماته زيادة على الحركات الهابطة والايحاءات الجنسية والبذاءة. وقناة تونس 7 التي هي ملك لنا جميعا وندفع لها عبر بطاقات الكهرباء بسخاء وبدون منّ عليها أن تكون قناة كل الشرائح فلاتتجاوز الحدود بضرب القيم والتشكيك في الهوية والثقافة العامة ولا تخدش حياء ومشاعر المتفرّج ولا تظهرنا منبتين بلا ثوابت كأن تدّعي سؤال 100 تونسي عن أسباب تعلّقهم بزوجاتهم فلا يتمسّك ولو واحد من المائة بزوجته لحسن أخلاقها. كما تدّعي أن من بين 100 تونسي ليس هناك واحد يقوم صباحا على صوت المؤذّن تحت ذريعة «إحنا هكّا» في حين أننا لسنا هكذا.قناة أخرى تسمع منها جعجعة ولا ترى طحنا تربّع فيها جماعة يناقشون ذهاب الفنّانين الى الضفة الغربية وقد استبسلوا في الدفاع عن زيارة الأرض المحتلّة. واعتبروا ذلك فكّا للعزلة وليس تطبيعا (وهذا يمكن قبوله) ولكن في غمرة فرحتهم لهذا الطرح وهذه الاستماتة في الاقناع أطنب أحدهم في الحديث عن سهولة التنقل بين مدن فلسطين بعد موافقة وتأشير الصهاينة حتى وإن كانت تل أبيب نفسها فسأله مدير الحوار «وهل زرت أنت تل أبيب؟» فأجاب بشموخ واعتزاز «نعم زرت هذه المدينة ورأيت يهود حلق الوادي هناك». وفي الختام أقول: انفخوا سمومكم عبر شاشاتنا في أعزّ ما نملك محاولين ضرب صورتنا النقيّة لغة وحضارة ودينا وأخلاقا وتراثا وثقافة وعروبة فلن تنالوا منها أبدا مهما تعدّدت المحاولات وتنوّع النعيق. هذا النعيق الذي لا يوقفه إلا المشرفون على القطاع بتكوين لجنة تدرس كل البرامج والمحتويات وتراقب مدى الالتزام بالضوابط المفترض تحديدها على الأقل عبر شاشتي الدولة.