في سبيل ليلة العمر يضطر الكثيرون لصرف الملايين وربما الاقتراض والتداين. فالمهم بالنسبة لهؤلاء أن تكون ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة في المظاهر والإبهار حتى تظل حديث الناس لفترة من الزمن. من أجل ذلك يحرص البعض على إقامة أفراحهم في أفخم القاعات والفنادق. أما إقامة الفرح في رحاب البلديات فقد كان حكرا على من تعوزهم الامكانيات حيث يرتضون تحت وطأة الظروف تلك الطريقة في الاحتفال التي لا تكلفهم الكثير ماديا، إذ غالبا ما تكون بأسعار رمزية مقارنة بكلفة الأفراح في احدى الصالات لكن يبدو اليوم ان الأمور قد بدأت تشهد انقلابا حقيقيا في تقييم المسائل. فالكثيرون من ميسوري الحال بدأوا في الابتعاد عن البهرج والحفلات الصاخبة وباتوا يفضلون الاحتفال على الطريقة الأوروبية وهو ما يجسده الاقبال الكبير على إقامة الزفاف في البلديات الذي سجلته السنوات الأخيرة. هذا الاقبال خاصة على بعض البلديات المعروفة بجمال معمارها ووجودها في مناطق راقية يدفع حقا إلى التساؤل حول حقيقة ما يجري. فهل أصبحت إقامة حفلات الزفاف في البلديات عنوانا للوجاهة ودليلا على يسر الحال؟ «الشروق» طرحت الموضوع على بعض المواطنين ووقفت على آرائهم في الموضوع، كما تحدثت إلى مصدر ببلدية تونس. **تغيّر العقليات السيد حمادي وبدون تردد قال: «لقد تغيرت العقليات وأصبح الكثيرون من الميسورين يفضلون إقامة الفرح في البلدية بعيدا عن الصخب الذي يشهده الفرح في القاعات» ويضيف حمادي «أنه شخصيا يفضل إقامة عرسه بإحدى البلديات في أجواء راقية بعيدا عن الضجيج والتظاهر، وهوما يعتبره عنوانا للتحضر وليس دليلا على ضعف الحالة المادية كما يعتقد كثيرون». يتفق منذر مع سابقه في الرأي ويؤكد ان اقامة العرس في البلدية هو اختيار صائب بالنسبة إليه، حيث اتفق مع خطيبته على ذلك رغم معارضة والديها في بداية الأمر. وينفي أن يكون لاختياره أي علاقة بالظروف المادية لأنه ميسور. كما يقول لكنه اختيار منه هو وعائلته وكشف لنا أن ذلك سيكلفه قرابة الألف دينار، وهو سعر ليس بالهيّن. **حلم الفتيات هندة فتاة مخطوبة ومقبلة على الزواج في الشهر المقبل تؤكد ان اقامة الزفاف في بلدية القصبة أو قرطاج وارتداء الفستان الأبيض أصبح حلما لكل المقبلات على الزواج في السنوات الأخيرة. وتوضح هندة انها اتفقت مع خطيبها على إقامة زفافهما في بلدية القصبة رغم معارضة العائلتين وهي سعيدة بذلك. وتوافق عفاف على كلام شقيقتها وتقول أن الصخب والفرق الموسيقية أصبح من المظاهر البالية التي لم تعد تستهوي العائلات الراقية حسب قولها وتضيف عفاف انه في السابق كانت العائلات تتنافس على إقامة الأفراح والليالي الملاح في القاعات الفخمة والفنادق لكن الأمور انقلبت اليوم وأصبحت البلدية عنوانا على الرقي والوجاهة. مراد متزوج حديثا صرح أنه اتفق مع زوجته على إقامة حفل الزواج في البلدية حيث وفرا على نفسيهما مصاريف كثيرة كانت ستذهب هباء وذكر لنا انه استمتع برحلة إلى إيطاليا مع عروسه لاتزال تفاصيلها عالقة بذاكرته. وإذا كانت نظرة البعض خاصة من الشباب قد تغيرت فإن كثيرين يدافعون باصرار عن مسألة اقامة حفل الزفاف في القاعات والفنادق. **ليلة العمر السيد فؤاد من بين هؤلاء يؤكد ان ليلة العمر واحدة لذلك ينبغي على الشخص أن لا يخضع الأمور لمنطق الحسابات المالية، فالمهم ان تكون ليلة رائعة يظل العروسين يذكرانها طيلة الحياة. وذكر انه لا يتصور أي حفل زفاف دون فرقة تعزف وصبايا يتراقصن لذلك فهو لا يمكن أن يتنازل عن تصوره ولا يفكر أبدا في إقامة حفل زفافه في البلدية. السيدة نائلة تقول ان اعراس البلديات خالية من أي نكهة وليست من عاداتنا، فهي تشبه الأعراس الأوروبية التي تقام في الكنيسة ومن هذا المنطلق يأتي رفضها لهذه المسألة بعيدا عن التكلفة المالية. **الوجاهة طرحنا الموضوع على مصدر مسؤول في بلدية تونس فأكد لنا مسألة الاقبال على البلديات والتي تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وقال ان البلديات أصبحت مقصدا لجميع الفئات حتى الميسورة منها وهو ما يدل على حدوث تغيّر في العقليات. وقال ان الأمر غير مرتبط بالعوامل المادية لوحدها لأن بعض البلديات يصل سعر إقامة الزفاف بها إلى 750 دينارا تونسيا أو أكثر. وقال ان أسعار البلديات الراقية تتراوح بين 400 و800 دينار حسب الموقع والفترة التي يقام فيها الزفاف. وذكر في هذا الصدد ان بلدية القصبة مثلا أصبحت مقصدا لعديد العرسان من العائلات الميسورة وهو ما يدل على أن الأمر يتعلق بالوجاهة أو «البرستيج» كما يقال.