الشاشية في اللغة: الشاشية، جمعها شواشي وشاشيات، هي لفظة يطلقها العامة في تونس على غطاء الرأس الشعبي الذي يلبسه الرجال في كل الفصول وقاية من الحرّ والبرد، وهي من الكلمات التي أصبحت شهيرة لدى السياح الأجانب، وتطلق أيضا في بعض مناطق البلدان العربية التي تتميّز بشواشيها من حيث الشكل والمظهر وتنوّع استخداماتها ودلالاتها وتسمياتها كالطربوش والطرطور والقلنسوة والكوفية والكلوتة وغير ذلك. ومن المحتمل أن يكون اسم الشاشية قد اشتق من لفظة «الشاش» التي كانت تطلق قديما على «الكشطة» أي العمامة البيضاء التي تلف على الرأس فوق الشاشية، وكانت تطلق أيضا على العصابة التي تعصّب بها المرأة المتزوجة رأسها، والعصابة هي أقصر من العمامة. ومن المعلوم أن لفظة «الشاش» تستعمل حاليا في بلدان الشرق الأوسط للدلالة على نسيج رقيق من القطن تضمد به الجروح ونحوها، القطعة منه شاشة. علما وأن كلمة الشاشة شائع عند كل العرب للدلالة على قماش عرض الأفلام، وكذلك على سطح الكمبيوتر أو التلفاز أو الهاتف الجوّال، والذي يمكّن من مشاهدة الصور والخطوط والنصوص. وتسمّى الشاشية في الجنوب التونسي بالطاقية، جمعها طواقي وطاقيات، وهذه التسمية هي الأكثر شيوعا في العديد من البلدان العربية، ويظهر أنها مشتقة من تقية أي وقاية الرأس، وفي أيام الستينات كان يطلق على الشاشية كلمة كبّوس، جمعها كبابيس، وذلك باعتبارها غطاء يكبس على قمّة الرأس، وهذه الكلمة مازالت شائعة الاستخدام في القرى والأرياف التونسية والليبية. صفات الشاشية: تصنع الشاشية على شكل اسطواني من صوف الغنم. ومن صفات الصوف أنه ليس بموصل جيد للحرارة والبرد، فهي تحفظ الرأس من الحرارة الخارجية المفرطة والبرد القارس. كما أنها تمتص الماء بكيفية بطيئة، وتقاوم الانكماش، وتحافظ على رونق وجمال الشاشية، وتجعلها سهلة التنظيف. وتمتاز الشاشية باحتفاظها الدائم بشكلها ومظهرها، وهي غير قابلة للتجعد أو الانثناء. كما تتميز الشاشية بمقاومتها العالية للتمزق رغم طرواتها، وبملمسها الناعم، ولونها الأحمر القرمزيّ الذي اتخذ منذ زمن طويل شعارا للبلاد التونسية في اللباس والأعلام. صفات الشاشية: إنّ للشاشية مكانة خاصة عند الوطنيين التونسيين منذ أن اعتمدها زعماء التحرير الوطني وجميع المناضلين ضد الاستعمار الفرنسي شعارا للاستقلال الاقتصادي والسياسي عن المستعمر. وقد عبّروا من خلال ارتدائها بدلا من القبعة الفرنسية عن عشقهم لتونس، وانتمائهم إليها، وتمسّكهم بهويّتهم التونسية العربية الاسلامية وبتراثهم العريق وتقاليدهم التي توارثوها جيلا بعد جيل. ومما كان يشدّ هؤلاء الوطنيين في هذه الشاشية هو لونها الأحمر الوهّاج الذي يرمز الى التضحية ودماء الشهداء، وهو أقوى الألوان وأكثرها تعبيرا عن القوة والشجاعة والأمل والنصر والحرية والمحبّة والروح الجماعية والترابط الاجتماعي القوي. والسؤال المطروح في هذا المجال: لماذا اليوم لا يستمرّ هذا الحب للشاشية وهذا الاعتزاز بها من خلال لبسها دائما في كل المناسبات والاجتماعات من قبل أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين والمجالس المحلية والأحزاب والمنظمات الشبابية وجمعية الكشافة التونسية، وكذلك السفراء عند تنصيبهم أو حضورهم حفلات رسمية، ولا ننسى القضاة والمحامين والأعوان العاملين بالمحاكم والمتاحف والمواقع الأثرية، وأدلة السيّاح، وأعوان الاستقبال والارشاد بالوزارات والسفارات، والعاملين بالفنادق والمضيفات والمضيفين الجويين، وممثلي تونس في المعارض والصالونات الأجنبية، وأعوان الشرطة العاملين بالمطارات والمناطق السياحية مثلما هو الحال في بريطانيا والساحل الأزرق واسبانيا والهند وإلخ. ولما لا يلبسها الطلاب في يوم التخرّج الجامعي، وكذلك المتميزين والفائزين بالمسابقات في شتى المجالات عند تسليمهم الجوائز. ذكريات من الماضي: ومن ذكريات الماضي، كان الرجال يعتمّون العمامة على الشاشية منذ سن البلوغ أي عندما تنبت لحيتهم، ومع تطور الحياة بدأت العمامة تضمحل شيئا فشيئا لتصبح لباسا خاصا بالكهول من سكان الأرياف والقرى وكذلك بالقضاة وبعض الأشخاص في المدن، ثم صار لبسها حاليا مقصورا على أئمة صلاة الجمعة وعلماء الدين، وذلك لأنّ الرسول صلى اللّه عليهم وسلم كان يعتمّ بعمامة بيضاء، وكان البياض لونه المفضل، ولذا أحبها العلماء وتعمّموا بها، وأضحت العمامة في الاسلام تقليدا قوميا ورسميا. وفي تاريخ تونس، كان جنود الباي ورجال الدولة والأعيان يلبسون الشاشية بلا عمامة. وكانت ترش عليها العطور وتلبس أحيانا فوق العرّاقية القطنيّة التي تمتصّ العرق وتحمي الرأس إذا نزعت الشاشية. وكان الرجال لا يحبّذون نزع الشاشية إلا في حالة أداء مناسك العمرة والحج أو عند المصيبة الكبرى التي يصعب تحمّلها، فالرأس المكشوف هو من مظاهر الحزن الشديد. ومن الطرائف أن بعض الرجال كانوا يلبسونها بشكل مائل، ويضعونها على طرف الجبين، وهي طريقة يعلنون بها عن كبريائهم الزائد وتشامخهم الفائق. ومما هو جدير بالذكر أنه كان يعتبر أيضا كشف الرأس فقدانا للعقل أو تجاوزا لحدود الآداب والاحترام وكذلك عيبا كبيرا وعارا وفضيحة شنيعة. والمعروف أنه عندما يُراد إهانة شخص ما وتشويه سمعته، فإنه تنزع شاشيته ليظهر عاري الرأس أمام العامة. ومن العقوبات التي كان يحكم بها القضاة في ذلك العهد، هي التشهير المرتبط بكشف الرأس والدوران في الشوارع بلا شاشية للاحساس بالاهانة وما يحدث عنها من آلام نفسانية. كما أن عاري الرأس لا تقبل شهادته أمام القاضي بل تسلط عليه عقوبة كشف الرأس لاعتباره خارجا عن القانون والآداب المعمول بها.