وأخيرا خرج المولود الى الدنيا يتلمس طريقه بعد عسر مخاض. من عمق التراث والخبايا الى العلن ومن الماضي الى الحاضر في رحلة صعبة المسالك. المولود ليس سوى العرض الفرجوي «خبايا» باكورة أعمال جمعية فرسان المسرح (بوحجلة القيروان) الذي قدم عرض اللجنة يوم السبت 27 مارس في مرقد المعهد الثانوي بالجهة أين عسكر فريق العمل وتحدوا العوامل الطبيعية والبشرية دون الحديث عن صعوبة التمويل. بمناسبة اليوم العالمي للمسرح. «الشروق» كانت تابعت تمارين عرض «خبايا» واطلعت على تفاصيل هذا العمل الذي يمكن ان يوصف بالمتميز لمضمونه وهدفه وتنوع عناصره وكفاءة أدائهم وحرفية الإخراج وتعاون أفراده علاوة على ما واجهوه من عقبات. و«خبايا» هو عمل فني على شاكلة المسرح الفرجوي أو ما يعرف بالأوبيريت. لجمعية «فرسان المسرح». يجمع بين العروض الفلكلورية الراقصة والشعر الغنائي والموسيقى يشارك فيه 33 عنصرا بين راقصين وعازفي آلات ايقاعية ووترية وآلات نفخ ومنشدين... ينطلق العرض بالشعر ثم بلوحة رقص. حسناوات ملتحفات بالسفساري كأنهن في مخادعهن ثم تنطلق الموسيقى في عزف كامل بمختلف الآلات الموسيقية الوترية والايقاعية في لوحة راقصة على ايقاع كلمة «تونس بلاد العزة». وتتواصل اللوحات بين الرقص والغناء والشعر وقصص العشق في ثنائيات مسرحية وقصة تأسيس القيروان واستعراض الخصوصيات الشعبية لكل جهة. تتنوع الآلات الموسيقية وتتداخل اللوحات وتتسارع الحركة على الركح في إيقاع شعبي احتفالي بهيج كأن فرسان جلاص انتفضوا من تحت التراب. 16 لوحة... من عمق التراث تتألف المشهدية من 16 لوحة تراوح بين مختلف الفنون والأشكال المسرحية. وتمازج بين الموروث والمعاصر في مزاوجة طريفة بين «زربية امي» و«رقصة العكالة» وعرض للأزياء التقليدية تحت ايقاع الطبلة والزكرة والمزود والعود والكمان لتختم برقصة عصرية. المخرج يوسف الصيداوي أكد ل«الشروق» ان «خبايا» هي «مشروع العمر» بالنسبة اليه والى زملائه ولجهة بوحجلة وللمسرح، وستمثل حدثا مسرحيا وطنيا وبين انه ينطلق من البحث في التراث وإعادته الى سطح الذاكرة من خلال الغوص في فنون البادية والريف من «رقصة البارود» و«غناء البوادي» والآلات الموسيقية التقليدية (الطبلة والزكرة). بهدف اخراج التراث الى العالم المعاصر ونفض غبار النسيان عنه والتعريف به عبر إخراجه من «مخابئه» ومصالحته مع جمهوره في إخراج فني يزاوج بين الاستفادة من الأصالة والفرجة بمزاوجة المسرح بالغناء وبالرقص والموسيقى والشعر... التحدي والدعم من جهته اكد منسق العمل المسرحي عادل الزايري ان العمل يضم 33 عنصرا من عازفين وراقصين وممثلين من من القيروان وقابس وصفاقس وتونس ونابل وبنزرت وتتراوح أعمارهم بين 18 سنة و60 سنة. قام بتأطيرهم ثلة من الأساتذة في مختلف الاختصاصات من بينهم ايمن العيساوي (موسيقى) وخديجة اليازيدي (رقص) ومراد الخاوي (مسرح) ودنيا مناصرية (مسرح) ولطفي الفريخة (مسرح معني بالإضاءة). وقد تميزت التربصات بسرعة النسق بمعدل 16 ساعة يوميا مؤكدا وجود صعوبات جمة في تاطير المشاركين غير ان هذا الأمر كان اخف وطأة من الصعوبات الأخرى. متحدثا عن عقبة التمويل وشح موارد الجمعية ما جعل المؤطرين يدفعون نصف مرتباتهم (الوظيفية) لتمويل العمل رغم مساعدة السلط المحلية والبلدية ومندوبية الثقافة ودعمها لكن كل ذلك لم يكن كافيا لولا تدخل أبناء مدينة بوحجلة وتجندهم لدعم الجمعية وتبنيها. تلك الصعوبات يبدو انها زادت فريق العمل عزما وإصرارا على التحدي زادتها المحبة بين عناصر الفريق رغبة في النجاح كما تجند الإطار التربوي بمعهد بوحجلة بمساعدة الجمعية باهدائها مبيت المعهد للإقامة والتمارين التي تابعها معتمد الجهة. طرائف و«خفايا» حالة الإرهاق وصعوبات التمويل التي وصلت بالبعض الى البكاء لم تمنع فريق العمل من معاضدة الجهود والانضباط والرغبة في النجاح والتعاون . ولعل عزاء الجميع كان في أهالي مدينة بوحجلة بكرمهم وتقديمهم الطعام الى المشاركين بشكل يومي. ومن طرائف الكواليس هو بعث لجنة «خفايا» مهمتها رصد الطرائف وإسناد الجوائز, لمن ينام أكثر او يأكل أكثر. ومن الطرائف ايضا ان طبالا يتعلم «الدوم تاك» أثناء التمارين رغم مرور 40 عاما عن ممارسة المهنة. وقد تميز العمل بحضور عديد نجوم الفنون الشعبية في الشعر كمال الخليفي والغناء طير البرني والطبلة عم حسونة الذي كان يلاعب الطبلة بخفة ورشاقة نادرة وهو يناهز ال60 من عمره. وأكد المخرج يوصف الصيداوي الذي ينتظر الحصول على التأشيرة انه يأمل من الجهات المعنية والسلط الجهوية تبني العمل ودعمه نظرا لقيمته الفنية والتراثية الأصيلة. وهو لئن أثنى على جهود السلط المحلية والبلدية ومندوبية الثقافة فهو يأمل ان تلاقي باكورة إنتاجه النجاح المستحق والحضور الجماهيري المنشود، ومن المنتظر ان يكون أول العرض للجمهور ل«خبايا» في المسرح البلدي بالعاصمة مؤكدا ان عرضه الفرجوي سيكون في مستوى انتظارات الجماهير لأنه يراعي جميع الأذواق الفنية ولأنه نابع من التراث الأصيل. بقي ان «خبايا» سيثير جدلا كبيرا في تصنيفه المسرحي خصوصا أمام ما يشهده الفن الرابع من تحولات وتنوع في الألوان.