يكاد يحصل الاجماع على ان الاحزاب السياسية المعارضة تعاني في الفترة الاخيرة من انحسار في النشاط وفي حركة استقطاب الانصار وحتى المحافظة على العناصر المنتمية اليها. ومقابل هذا الاجماع فإن تحليل اسباب هذه الظاهرة وتشخيصها يختلف باختلاف المواقع وزوايا النظر لكنه مع ذلك لا يخفي مسؤولية الاحزاب المعارضة في ما حدث وسيحدث. ففي الوقت الذي تطالب فيه هذه الاحزاب بتعميق المسار التعددي والديمقراطي وتكريس حق الاختلاف والنقد وممارسته في الجهات الداخلية بالخصوص، فإن قيادات المعارضة تنسى نفسها وتتعامل مع قواعدها في الغالب معاملة فوقية متعالية، فيها الكثير من الانفراد بالرأي ورفض الرأي المخالف والأقلي. وتبرر احزاب المعارضة وفي كل المنابر المتاحة لها ضعفها وانحسار عدد المنخرطين بها بالمضايقات التي يلقاها مناضلوها والتي تعسّر عملهم ونشاطهم اليومي وتعرقل توجهاتهم التعبوية الهادفة الى استقطاب عناصر جديدة ومحاولة الحدّ من ظاهرة الاستقالة عن النشاط السياسي التي بدأت تزحف وتطال تدريجيا حتى بعض الذين سبق لهم الانتماء الى هياكل حزبية، وآثروا الانقطاع عن ممارسة قناعاتهم وإبداء آرائهم ومواقفهم في الشأن العام. مسؤولية ولا يبدو هذا التشخيص خاطئا تماما، لكنه لا يحجب مسؤولية الاحزاب المعارضة وتقصيرها لأنها تكتفي بالتشكي من هذه «الاسباب الخارجة عن نطاقها» دون البحث عن حلول لتغيير الواقع والحدّ من الهوة العددية والبرامجية الموجودة بينها كأقلية وبين الاغلبية التي وان تقبل التعددية فإنها لن تتنحى وتفسح المجال لتحقيق ذلك على ارض الواقع. ويبدو ان المعارضة التي تعودت وربما رضيت بما يمنح لها في اطار النسبية لم تعط الاولوية للتعويل على نفسها وبقيت حبيسة مساعدات وعطايا الدولة اضافة الى ان اغلبها عرفت وتعرف مشاكل داخلية وموجات من الطرد والاستقالات والتجميد لم تكن نتاجا لحالات يأس من الفعل السياسي بل خاصة نتيجة الخلافات التي تتم بين القيادات او بين عناصر من الهياكل الوسطى والقاعدية والتي تعود في الغالب حسب المستقيلين والمطرودين الى تفرد القيادات بالرأي ورفضهم الرأي المخالف وبالتالي فإن عديد احزاب المعارضة او كلها تقريبا تطالب بتوسيع الهامش الديمقراطي في حين انها لا تلتزم بسلوك ديمقراطي داخل هياكلها. هذا الوضع ادى الى تزايد حالات انتقال المناضلين الغاضبين من حزب الى آخر هربا من هذا السلوك وبحثا عن فضاءات اخرى اكثر ديمقراطية والمتابع لتصريحات العناصر القيادية والقاعدية التي انتقلت من احزاب الى اخرى يقف على هذا التشخيص بكل يسر. غياب التداول ويلاحظ المراقبون ان التغيير في قيادات احزاب المعارضة يكاد يكون غائبا، رغم ان اغلب الامناء العامين من المتقدمين في السن او من الذين مضت عليهم سنوات على تحمل المسؤولية، بل ان القوانين الاساسية لأغلب الاحزاب لا تشير الى تحديد عدد نيابات الامين العام وحالات الفراغ في المسؤولية. وظهر في الفترة الاخيرة أشكال في حزبين معارضين بحدوث فراغ، وقتي على الاقل، في منصب الامانة العامة جعل بقية العناصر تختلف حول المعوّض بل وايضا حول صبغة التعويض وهل يتم اختيار شخص او لجنة لقيادة الحزب. وبرز هذا الاشكال، في الحزب الديمقراطي التقدمي عند مرض امينة العام واجرائه لعملية جراحية تطلبت منه الابتعاد عن إدارة الحزب لفترة وكذلك في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي لما تم ايقاف امينه العام على ذمة التحقيق في انتظار محاكمته.