كنّا قد ذكرنا في مقالنا السابق كيف خرجت «عروسنا» بعد إرتداء الجبّة البرمقلي المطروزة.. وهي تمشي وتتدرّج بعد حنتها والجميع يصلون على النبي ويتفرّجون وهم ينظرون الى صاحبة الزين والجمال وسحر العين والقد الكامل المتمايل.. ولكن نسينا ذكر الحضرة التي تزفّها.. هنا يقول الأستاذ حسين الحاج يوسف في دراسته «عادات وتقاليد الزواج بمدينة سوسة» المنشورة بمجلة «منارة الساحل»، أنه في سنة 1927 كان بسوسة حضرة بنورة نسائية وقد كانت لا تحيي إلا حفلات كبار القوم والأثرياء. أمّا الحضرات التي تعمل في أفراح عامة الناس، فهي حضرة الجعيمة والخلادّية ثم ورثتهن شفيّة ومحرزية ثم زكية والدة المطرب كريم شعيب والزرقة وبشيرة قرماشية ، وهنا لا أنسى أشهر الحضرات حضرة سيدي بلحسين بقيادة السيدة بوراوية (ابنة معتمدية جوهرة). تعليلة الكسوة نبقى دائما مع «بنت الحسب والنسب» وبعد الصداق والقفّة والحمام والحنّة.. سنتوقف عند تعليلة الكسوة. وهنا يذكر الأستاذ حسين الحاج يوسف أن هذه المحطة هي محضر للصبايا والنساء. في هذه التعليلة تجمع أم عروستنا صاحبة الجمال والقدّ المتمايل هناها أي رشوقها من العائلة والأقارب والأحباب ويضيف هنا «في هذا الحفل تخرج أم العروس من غرفتها تتدرّج والحواضر تتفرّج ومن خلفها كنّتها حاملة «كسنترو» بثياب العريس لتصل الى كرسيّها وسط المدعوات فتتصدرهن وتضاء الشموع وتعلو الحناجر بالزغاريد. فإن كانت الأم شابة وفي صحّة جيّدة فيلبسونها قفطانا وإن كانت متقدمة في السن ألبسوها ثوبا مناسبا من سروال الشبيكة والدماق ومريول فضيلة والفوطة والبلوزة. الجلوة الأولى في آخر المساء تُجلّى العروس في منزل والديها أمام صاحباتها وأهاليها على أضواء الشموع وأصوات الزغاريد 7 جلوات بسبع قمجات وفي كل دورة تنزلها الماشطة وتغيّر لها قمجتها وتر جعها الى المجلى فتتم ستّ دورات ونصف في جوّ من الفرح.. وآخر دورة تجلسها الماشطة على كرسي التصديرة بالقمجة الكبيرة. غير أنّه بعد سنة 1920 تغيّرت الجلوات بمدينة سوسة حيث أصبحت ثلاثا كل واحدة بدورتين الأولى بقمجة (حلّي شعرك نجلّيك/يا مولاته العربية/جلوة تواتي المحضر بألفين وأربعمايّة) والثانية بالجبّة (وفي الأصفراني مثل العقيق اليماني يا ميلي.. ميلي/وحين مالت دارت على كل جهة/وحين مالت بشروا الخلق بيها). أما الجلوة الثالثة فهي بالقفطان (ياكنتي ماني اشتهيتك/ومالي ودنيتي اعطيتك) ووجه العروس بلجام مطبوع وخطين من الحرقوس فوق الجبين ومشموم من الفيجل مرشوق على شعرها المفروق وسوار يسطع في اليدين ويبهر العينين وخواتم الفصوص بارزة في أصابعها وقمجة تخطف الأنظار وخلخال في الرجلين يرّن رنين الجرس ويهزّ بالفرح النفس وعندما يصل الأقارب تغطّي الماشطة وجه العروس بتقريطة عكري. ...لنترك الحاضرات يتأمّلن في عروس سوسة وهي في دار والديها بزينتها وذهبها وحليّها وهنّ ملتفات حولها.