قد تكون النقابات أكثر الهياكل المهنية المعنية الآن بملف التقاعد والصناديق الاجتماعية غير أن هذا الملف الهام و«الخطير» يهم كل الأجراء والموظفين في القطاعين العام والخاص. ورغم ان المفاوضات لم تنطلق بعد حول ملف أنظمة التقاعد الا أن النقابات شرعت في الاعلان عن مواقفها بخصوص هذا الملف الذي من المؤكد أنه سيشغل بال آلاف الأجراء طيلة المدة القادمة. جامعة النفط والكيمياء عقدت مؤخرا ندوة حضرها أكثر من 250 اطارا نقابيا تحت عنوان «واقع ومستقبل أنظمة التقاعد في تونس». وتم خلال هذه الندوة القاء عدد من المداخلات تضمنت مواقف ومعطيات هامة حول أنظمة التقاعد في تونس. الندوة تولى اختتامها الأمين العام للمركزية النقابية السيد عبد السلام جراد. «الشروق» تنشر وقائع ندوة واقع ومستقبل أنظمة التقاعد في تونس على حلقات متتالية. في مداخلته أمام الندوة أكد السيد الحسناوي السميري الكاتب العام لجامعة النفط والكيمياء على المبادئ التي يتمسك بها النقابيون بخصوص أنظمة التقاعد، مشيرا الى جملة المكاسب التي ينبغي المحافظة عليها. وفي ما يلي مداخلة السيد الحسناوي السميري. ان اصلاح أنظمة التقاعد والبحث في الواقع الحالي للصناديق الاجتماعية يأتي الآن في مقدمة اهتمامات النقابيين بالاتحاد العام التونسي للشغل الذين هم واعون بضرورة الاعداد الجيد للتفاوض مع الحكومة حول هذا الملف. ومن المفيد ان نذكّر أن الهيئة الادارية الوطنية الاخيرة للاتحاد الملتئمة يوم 18 مارس 2010 أكدت في هذا المجال على المبادئ التالية: تمسّك النقابيين بالنظام التوزيعي التضامني بين كافة أصناف وأجيال الأجراء المضمونين الاجتماعيين. التفاوض حول اصلاح أنظمة التقاعد بما يضمن حقوق الأجراء ويوفر تقاعدا يحفظ كرامتهم. دعم فرص العمل والتشغيل ووضع حد لأشكال العمل الهش والسمسرة باليد العاملة. الحزم في ملاحقة النقص في التصريح بالأجور والمداخيل الحقيقية للمضمونين الاجتماعيين وكذلك في استخلاص ديون صناديق الضمان الاجتماعي. التعجيل بالتفاوض والحوار حول تمويل الضمان الاجتماعي في تونس. أما على المستوى القطاعي فإن نواب المؤتمر العادي الثاني عشر لجامعتنا المنعقد يوم 3 أكتوبر 2009 قد جعلوا البند الاول من لائحتهم العامة متّصلا بموضوعنا اليوم. ويأتي هذا في سياق حرص مناضلي القطاع على العناية الجدية بالقضايا الوطنية ذات الصبغة الاجتماعية، وقد جاء في هذا الباب ضرورة الاهتمام ب«ملف الصناديق الاجتماعية الذي يجب التنبيه للأخطار المحدقة بها» والبحث في «كل الأسباب التي ساهمت في تقهقر خدماتها وتوازناتها المالية من أجل المحافظة على ديمومة هذه الصناديق ومواصلتها تقديم الخدمات التي بعثت من أجلها». ومن البديهي ان يكون موقفنا النقابي هو التمسّك بالمكاسب الحاصلة وتعزيزها وذلك من خلال: الإبقاء على سن الإحالة على التقاعد على حالها الراهن وخاصة منها في المهن الشاقة. عدم الزيادة في نسبة اقتطاع المساهمات لأن في ذلك تقليصا للمقدرة الشرائية للأجراء وإثقالا لكاهل المؤسسات الوطنية بالزيادة في كلفة منتوجها وهي التي تواجه صعوبات من جرّاء المنافسة العالمية وتفشّي ظاهرة الأسواق الموازية. ولغاية تعديل الموازنات المالية لهذه الصناديق دون اللجوء الى مثل تلك «الوصفات» نؤكد على مواقف منظمتنا النقابية في هذا المجال ونذكر بالخصوص: تنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية من خلال مساهمة الدولة من مال المجموعة الوطنية مساهمة مباشرة وذلك بضخ نسبة من الأموال على غرار تجارب دولية رائدة في هذا المجال. مراجعة سياسة التشغيل بالتخلي عن أنماطه الهشّة التي كرّست منهج التهرّب من دفع مساهمات العمّال المقتطعة مسبقا او التلاعب بتصاريح أجورهم الحقيقية ويستدعي هذا تشريعات رقابية وزجرية فاعلة لتلافي ما يتمّ ارتكابه من مخالفات في حق المضمونين الاجتماعيين والمجموعة الوطنية. إننا في بلادنا مقدمون في المدة القريبة على جولة من التفاوض حول إصلاح أنظمة التقاعد والبحث في معالجة الاختلالات المالية للصناديق الاجتماعية. ومن جانبنا ننبّه الى الابتعاد عن اعتماد «الوصفة السحرية» التي تقدّمها المؤسسات المالية الدولية ومكاتب الدراسات والاستشارات المرتبطة بها عند معالجة هذا الملف ونقصد بذلك: الزيادة في المساهمات المقتطعة من الأجراء والمؤجرين. التقليص في الحقوق كالتخفيض في مبلغ الجراية من خلال تفعيل اجراء يتمثل في تغيير قاعدة احتسابها والحط من النسب المائوية المعتمدة حاليا لاستحقاق الجراية. الزيادة في سن الإحالة على التقاعد بما يعني الزيادة في سنوات الاشتراكات والتقليص في عدد سنوات التمتّع بالجراية، ولهذا الإجراء انعكاسات اجتماعية وصحية ومادية ونفسية على قطاع واسع من المضمونين الاجتماعيين وخاصة منهم العاملين في المهن الشاقة. إنها وصفة تجبر المضمونين الاجتماعيين على دفع كلفتها الباهظة دون غيرهم. الحرص على متابعة واستخلاص ديون الصناديق الاجتماعية ووضع الآليات التي تضمن استرجاعها. * عدم الخلط في مستوى الإجراء بين التضامن الاجتماعي والضمان الاجتماعي ويعني هذا عندنا أن الاتحاد العام التونسي للشغل متمسّك بكونه مدرسة تأسست منذ نشأته على قيم التضامن والتآزر بين أبنائه وما شعارنا إلا دليل على ذلك ولكنه متمسّك كذلك بضرورة اشتغال المؤسسات وفق الضوابط والأهداف التي بعثت من أجلها. وهذا يعني عدم خلط الأدوار التي قد تفرض على مؤسسات التقاعد نفقات اضافية ليست من مشمولاتها.