«أوسّو» أو إله البحر كما كان يعتقد الرومان، اسم اقترن ببحر بوجعفر بسوسة الى جانب اقترانه ببركة الولي الصالح من خلال شخصيتين وهما: أبو جعفر الأربسي وأبو جعفر القبودي وخلّف كل ذلك تأثيرات على بعض عادات الاهالي وأصبح لهذا البحر أبعاد تتعدى مجرد ممارسة السباحة ليكون دافعا لممارسة بعض الطقوس وللاحتفال في مختلف مظاهره ومن استعراض سنوي كانت تنظمه سلط الحماية الفرنسية لفائدة الجالية المسيحية تعبيرا عن الاحتفاء بموسم السباحة والصيف والمسمّى ب«سنتا ماريا» الى أن أصبح استعراضا محليا يستمد مضمونه من عادات وتقاليد الاسلاف خلال فترة الاصطياف بسوسة ببادرة من الناشطين المثقفين محمد الزرقاطي وعبد الحفيظ بوراوي (ولو أن الشائع أن الفكرة ترجع الى الاول) وذلك لغاية رد الاعتبار الى المخزون التراثي والحضاري بالاعتماد على مقوّمات الهوية العربية الاسلامية وحماية للذاكرة الشعبية. انطلق هذا المهرجان في غمرة الاحتفالات بالاستقلال سنة 1958 وسمّي ب«مهرجان أوسّو» لتزامنه مع عيد البحر وفترة الذروة خلال موسم الاصطياف التي تزامنت مع إشارة انطلاق أول دورة للاحتفالات الكبيرة الاولى بعيد الجمهورية 25 جويلية 1958، وفي سنواته الاولى كان هذا المهرجان ينطلق باستعراض ما يسمّى ب«الطواف بالمشاعل» يجوب خلاله شبان الجيش أهم شوارع مدينة سوسة ليلا وفي اليوم الثاني تتوافد على المدينة آلاف من المواطنين من مختلف مدن وقرى الساحل والولايات المجاورة لحضور الاستعراض الرئيسي الذي كان يشتمل على عدة عربات للمنظمات الشبابية والوطنية ولمختلف المؤسسات الاقتصادية كما كان يتضمن عروضا ولوحات فنية للجمعيات الرياضية والفرق الموسيقية والفولكلورية ومن أبرز العربات التي كانت تحظى بإعجاب الجماهير وبتصفيقهم الحار عربة الجمهورية وعربة «بابا أوسّو» التي كان ينشّطها بطريقته الهزلية المرحوم حامد زغدان ويتوّج هذا اليوم الاحتفالي بإطلاق مئات الشماريخ الملونة على شاطئ بوجعفر وسط هتافات الآلاف من المعجبين، وعلى امتداد أسبوعين تشهد المدينة العديد من العروض الترفيهية والفنية المتنوعة والتلقائية كألعاب الفروسية وأخرى بهلوانية ومسابقات رياضية على رمال الشاطئ الى جانب الحفلات الموسيقية التي كانت تحييها فرقة الاذاعة والتلفزة التونسية بمشاركة أبرز نجومها كعلي الرياحي، علية، نعمة، يوسف التميمي، الهادي القلال، عز الدين إيدير، اسماعيل الحطاب صحبة الراقصتين زينة وعزيزة وغيرهم من المطربين والفكاهيين وكانت كل الحفلات تنتظم بالساحات العمومية منها ساحة فرحات حشاد، أمام مقهى سيدي بوجعفر، بطحاء مقهى العياشي، دار الشعب، ساحة سرك عمار... وبحضور جماهير غفيرة. نقلة نوعية كان مهرجان أوسّو الأم التي انبثقت منها العديد من التظاهرات الثقافية والفنية وأهمها مهرجان سوسة الدولي الذي انفصل نهائيا عن استعراض «أوسّو» سنة 1985 وتمخض عنه عدة تظاهرات أخرى. وتطور الاستعراض تدريجيا وصولا الى شكله الحالي والذي تعزز بالتعاون مع كرنفال مدينة نيس ومشاركة عدة فرق من المدن المتوأمة مع مدينة سوسة وتشريك مختصين في تصميم العربات وتزويقها وصنع العرائس العملاقة وغيرها من الوسائل حتى يحتل هذا الاستعراض الفريد من نوعه في تونس إن لم نقل الوحيد مكانة بين الكرنفالات العالمية بحكم أنه يتعدّى البعد الفني ليكون مرآة عاكسة لنهضة عدة قطاعات وتشريك فعلي لمختلف مكونات المجتمع المدني. «نعم لرفع التحديات نعم لكسب الرهانات» هذا هو شعار دورة هذه السنة التي تطفئ يوم 24 جويلية شمعتها الثانية والخمسين بمشاركة 15 دولة الى جانب تونس حسب ما أفادنا به السيد رياض حسين مدير هذا المهرجان وهي: مصر، ايطاليا، فرنسا، بلجيكا، البرازيل، 4 دول من روسيا، اسبانيا، سلوفاكيا، مالطا، اليونان ولأول مرة ألمانيا وهولندا والذين سيقدمون 36 لوحة استعراضية. عربات بأكثر من معنى من أهم المضامين التي تميز هذا الاستعراض هي العربات التي يشرف على تصميمها فريق من الفنيين فرنسيين وروسيين يشرفون بدورهم على عدة كرنفالات أوروبية أهمها كرنفال نيس وبمساعدة فريق من التونسيين وهي الى جانب أبعادها الفنية وما تضفيها من رؤية جمالية للاستعراض ككل تتميز بأبعاد سياسية، اقتصادية، ثقافية وسياحية بما توحي به من مظاهر تطور هذه القطاعات بمشاركة مختلف الوزارات والهياكل والمؤسسات الاقتصادية والسياحية... وسيبلغ عدد العربات المشاركة هذه السنة 31 عربة. الخصوصية الجهوية «تبرز الخصوصية الجهوية في هذا الكرنفال في مختلف المعتمديات المشاركة في الالوان التي سيطغى عليها اللون الازرق كرمز لبحر بوجعفر مع الشكل الطاغي للعربات المستقي من شكل الباخرة اضافة الى بعض الازياء» هذا ما أجابنا به مدير المهرجان حول استفسار يتعلق بمظاهر الخصوصية الجهوية التي يتضمنها الكرنفال، وحول عدم الاعتماد الكلي على مبدعين تونسيين في هذا المهرجان أجابنا السيد رياض قائلا: «هذا بيد مبدعينا ذاتهم الذين يجب أن يقللوا من الكلام وينتقلوا الى الفعل الابداعي الحقيقي فلقد وفّرنا لهم فرص الاحتكاك بأصحاب الخبرة العالمية ومكّناهم من تربصات بفرنسا ولكن للاسف لا يريدون بذل المجهود المطلوب ويكتفون بالسهل منه». ليلة عالمية ليلة الشماريخ أصبحت من العادات الطيبة التي يواكبها مئات الآلاف من الجماهير من مختلف البقاع وتندرج ضمن فقرات هذا المهرجان لذلك استغلت «الشروق» فرصة اللقاء بالسيد رياض حسين لتعرف ملامح هذه الليلة التي تبرمج ككل سنة مساء يوم 25 جويلية الذي أضاف قائلا: «هذه الليلة هي تتويج لاختتام الكرنفال وأيضا للاحتفال بعيد الجمهورية يواكبها قرابة 300 ألف مشاهد يشرف عليها مختصين من مدينة نيس من أعلى طراز في هذا المجال سيقدمون مشاهد وصور متنوعة لمدة 30 دقيقة وتتضمن خصوصية تتمثل في الشماريخ المائية التي تنزل قاع البحر وتخرج في أشكال مبهرة.