لم تشأ اسرائيل للقمة الثلاثية الأولى من نوعها التي احتضنتها بيروت أمس الاول وجمعت الرئيس اللبناني ميشال سليمان ونظيره السوري بشار الاسد والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أن تمر دون أن تمارس عليها شتى ألوان الضغوط والتشويش لتغيير مسارها بل ولفرض جدول أعمال مغاير لأهداف تلاقي زعيمي دولتين هما الاكثر تأثيرا في الساحة السياسية اللبنانية على توطيد الاستقرار السياسي والأمني في بلد قدره التعايش والتوافق رغم الهزات والتدخلات. اسرائيل اختارت عبر آلتها الدعائية الاعلامية الوقت المناسب لاثارة قضية ما كان ينبغي أن تتدخل فيها ولتوجيه اتهامات الى «حزب الله» لا يحق لها بأي حال أن توجهها ولعل أخطر ما في الأمر أن اسرائيل ذهبت الى أبعد من مجرد الاتهام والتدخل في اختصاص محكمة يفترض أنها دولية ومستقلة بل انها غاصت في التفاصيل وذهبت الى اصدار قرار ظني بالنيابة عن المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان المكلفة بالتحقيق في قضية اغتيال الحريري، بدت مضامينه اسرائيلية من خلال المعلومات المسمومة والاسماء المنتقاة وتحديدا مصطفى بدر الدين الذي يشاع أنه خليفة القيادي العسكري البارز في «حزب الله» عماد مغنية الذي اغتالته اسرائيل في فيفري 2008 ووصولا الى توجيه الاتهام الى أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله بوصفه المسؤول الاول في الحزب وصاحب القرار الذي يفترض أن يكون على علم بكل ما خطط له الحزب ونفذه حسب التصور الاسرائيلي. ولا شك أن مثل هذه الاتهامات والادعاءات تثير أسئلة خطيرة ومحرجة عن علاقة المحكمة الدولية بالكيان الاسرائيلي والطريقة التي وصلت بها القناة الأولى في التلفزيون الاسرائيلي الى مثل هذه المعلومات الدقيقة والحال أن التحقيقات التي تجريها المحكمة يفترض أن تكون سرية للغاية والتقرير المتوقع لم يصدر عن المحكمة بعد. ويبدو أن هذه التساؤلات لم تخطر ببال المحللين الاسرائيليين الذين روجوا للاتهامات بل وصاروا يتحدثون عن حال لبنان في مرحلة ما بعد صدور القرار الظني واتهام «حزب الله» رسميا بالتورط في اغتيال الحريري، فهذا وصف لبنان بأنه يعيش على برميل بارود وأن البرميل سينفجر عندما تشير المحكمة الدولية الى اسم المشتبه به الرئيسي وهو مصطفى بدر الدين والآخر «يبشر» بحرب أهلية بعد صدور قرار المحكمة الدولية والثالث يتحدث عن أن لبنان سيتجه نحو الانفجار عندما تنكشف حقيقة قاتل الحريري. ومثل هذه التصريحات والقراءات تعد جزءا من الحرب النفسية التي تخوضها اسرائيل باستمرار على لبنان وقد ازدادت حدتها خصوصا بعد هزيمتها في عدوان 2006 وبحثها المتواصل منذ ذلك الحين عن ارباك الساحة اللبنانية وضرب حالة التوافق التي سادت خصوصا منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والالتفاف حول الرئيس ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري من أجل بناء لبنان القوي الذي يريده اللبنانيون. واليوم تبدو اسرائيل ماضية بحماس أكبر نحو هذا المنهج التخريبي الذي قوامه زرع بذور الفتنة ومن ثمة تأجيجها واللعب على الانقسامات والنقاط الخلافية بين الفرقاء اللبنانيين مستغلة في ذلك حالة التوتر التي يعيشها البلد منذ تسرب معلومات عن توجيه اتهامات لعناصر وصفت بأنها «غير منضبطة» من «حزب الله» باغتيال الحريري. واسرائيل تعلم جيدا حساسية هذه القضية ودقة المرحلة التي يمر بها لبنان لذلك هي تعمل ما في وسعها من أجل نسف أي مساع الى احتواء الازمة والابقاء على وحدة لبنان وهو ما تجلى بشكل كبير خلال القمة الثلاثية الاخيرة ومارافقها من تشويش اسرائيلي كان تكملة لتدخل أمريكي سافر في جدول أعمال زيارة العاهل السعودي الى دمشق ومن بعدها الى بيروت، من أجل أن تبقى مشاكل لبنان مكشوفة للأمريكيين والاسرائيليين يحركونها كيفما شاؤوا فيستبعدون من يريدون استبعاده ويملون على من لامناص من تدخله في الشأن اللبناني ما يتوجب عليه فعله واجتنابه... انها صناعة للفوضى بامتياز ووصفة للفتنة وضعها الصهاينة وزكاها الأمريكان عنوانها اضعاف لبنان وهذا ما يستدعي تشبثا بالوحدة وبمشروع المقاومة كبديل استراتيجي عن هذه المخططات الخبيثة.