يوم أمس حمل أنباء سيئة ل «الجلبيين» أحمد وابن اخيه سالم، الاول بتهمة حيازة واخفاء عملة مزورة والثاني بتهمة الضلوع في عملية قتل... وهي تهم تعد الجزء الظاهر لجبل الجليد الذي تراكم على مدى السنين بين الادارة الامريكية وعميلها احمد الجلبي... كيف ولماذا حدث ما حدث؟ وواضح ان قصة هذا السقوط المدوّي هي بامتياز قصة جاسوس صعدت به عمالته الى اعلى مراتب «المجد» بمعنى الخطوة التي وجدها لدى الادارة الامريكية والموقع الذي احتله في الدس للعراق والتحريض على غزوه... ثم هوت به الى هوّة سحيقة انتهت به متهما بحيازة اموال مزورة وهي تهمة كفيلة بوضع نهاية لقصته بشكل مدوّ يجعله لا يختلف في شيء عن باقي المتهمين ب «اللعب» في ميدان تدليس العملة وترويجها. فلقد صعدت اسهم هذا العميل في السنوات الاخيرة بعد أن اتخذته الادارة الامريكية كأحد مصادرها الرئيسية لجمع المعلومات عن عراق صدام حسين وعن سلسلة المزاعم والاكاذيب لحيازته واخفائه اسلحة دمار شامل... ليس هذا فقط فهذا العميل لم يكتف بالكذب والدس والتحريض على بلده وعلى شعبه... بل انه نجح في بيع وهم لادارة بوش صوّر لها بمقتضاه ان غزو العراق سوف يكون بمثابة نزهة يستقبل فيها الجيش الامريكي بالارز والورود وكأنه»جيش تحرير»... ولأن هذه الادارة تمتلك استعدادا فطريا لتصديق مثل هذه الاكاذيب، تماما مثل نظيرتها البريطانية التي روجت اكاذيب المخابر العراقية المجرورة وقدرة العراق على تجهيز سلاح نووي في ظرف 45 دقيقة، فإنها احاطت هذا الجاسوس بهالة غير عادية وفتحت في وجهه ابواب البيت الابيض الامريكي ودهاليز المخابرات الأمريكية الى أن كان الغزو والاحتلال... لتشهد أسهمه المزيد من الصعود بتعيينه عضوا في ما يسمى مجلس الحكم الانتقالي الذي عيّنه بريمر... ولأن هذا الجلبي صدّق الكذبة التي أطلقها بنفسه، فقد صدّق بأنه أصبح رقما في معادلة العراق والمنطقة ليلقى نفس مصير الضفدعة التي طالعنا قصتها ونحن صغار والتي ظنت أنه بامكانها أن تأخذ حجم بقرة بشرب كميات كبيرة من الماء فكان مصيرها الانفجار... حيث صدّق هذا الجاسوس بأنه أصبح رقما وجعلته مفارقات ما يجري في العراق من تقديم للاحتلال على أنه تحرير يصدق انه بامكانه اكتساب «عذرية» جديدة وأن يلعب لحسابه خاصة مع انكشاف أكاذيبه التي روجها للأمريكان على الميدان بغياب أي أثر لأسلحة الدمار الشامل في العراق ولتورط الجيش الأمريكي في مستنقع شبيه بمستنقع فيتنام وفق تصنيف بريمر نفسه... ولأن «ما بالطبع لا يتغير»، فقد التفت هذا الجاسوس ليبيع بضاعته الى ايران من خلال تزويدها بمعلومات استخباراتية تخص المخططات الأمريكيةلايران وذلك من خلال المعلومات التي اطلع عليها باعتباره «عميلا أمريكيا» يضع كل بيضة في سلة أمريكا... وعند هذه النقطة كان قد حكم على نفسه بالاعدام سياسيا، وقد وصله الحكم فعلا قبل شهرين تقريبا عندما داهمت قوى من «الأمن العراقي» والجيش الأمريكي بيته ومقر حزبه لتضع يديها على ما قيل إنه مبالغ من العملة المزورة... لكن هذا الجلبي أخفق في فك شفرة هذه الرسالة ليحول بيضه بالكامل الى سلة ايران في مسعى منه لتأمين موقعه من خلال اللعب على تناقض الطرفين الإيراني والأمريكي ومن خلال البحث له عن ركن في استراتيجية ايران مع أمريكا ومع «العراق الجديد»... أما ابن أخيه سالم الجلبي فقد ذهب هو الآخر وهو الذي لا يقل عمالة عن عمه ضحية تصفية الحسابات هذه أولا... كما أن ظهوره الرديء في محاكمة الرئيس العراقي والذي جعل الرئيس صدام حسين يظهر بذلك الشكل الواثق والمقنع والذي اعاد احياء صورته كزعيم عربي صاحب مشروع وقادر على تحويل محاكمته الى محاكمة للاحتلال الامريكي وهو ما مثل حرجا ما بعده حرج للادارة الامريكية التي باتت تجد نفسها امام خيارين احلاهما مر: انهاء المحاكمة العلنية وتحويلها الى محاكمة سرية أو تأجيلها الى أجل غير مسمى... ثم ان تصفية الحساب مع احمد الجلبي لا تستقيم وابن اخيه سالم يمسك بملف من عيار محاكمة الرئيس صدام وهو ما يقتضي تصفية الحساب معه هو الآخر ونفض الغبار عن تلك التهمة التي كانت معلومة لدى الادارة الامريكية عند تعيين هذا القاضي لرئاسة محاكمة صدام، ولعل هذه التهمة كانت المحدد في اختياره دون غيره وما يعنينا من كل هذا في الأخير هو هذا السقوط المدوي وهذا المصير المظلم اللذان ينتظران كل عميل وجاسوس يقبل ببيع ضميره والتآمر على وطنه... ذلك ان هذه النهاية المحتومة لهذا الجاسوس هي النهاية المحتومة لكل خائن أو عميل... وسوف يلعنه الناس ويلعنه التاريخ... ليخصص له مكان لائق في سجل العملاء الى جانب جدّه ابن العلقمي الذي فتح اسوار بغداد امام هولاكو والذي سوف يلعنه اللاعنون الى يوم الدين... فهل يستوعب الدرس باقي الجلبيين؟ وهل يدركون ان خيانة الوطن لعنة تنتهي دوما باصابة الخونة في مقتل ولو بعد حين؟