في قاعة الانتظار طال بنا الانتظار فحدثته عن ملائكة الرحمة بالبشر فحدثني عن ملائكة الرحمة بالبقر الحلوب وأقسم لي بأغلظ الأيمان أنه كلما رآى بقرة حلوبا الا وحسدها. قلت أو لم يسلم حتى البقر من حسد البشر؟ قال بربك قل لي كيف لا أحسدها وأنا في حد ذاتي أبجلها على نفسي وأمرض لمرضها وأشفى لشفائها،وأبجلها على كل العائلة في أكلها وشربها وفي نومها ويقظتها. تخور قواي لخوارها إن جاعت، وأنام نوم العافية إن شبعت وأتفقدها في نومها كما لو كانت رضيعا. قلت علام كل هذا الكرم البقري يا عبد الكريم؟ قال ذاك حق من حقوق البقر الحلوب الذي إذا أكرمته ردّ لك «الصاع صاعين» من النعمة والمكسب. وصرت له عبدا، وخادما وواحدا من أعوان رعايته الصحية ثم سألني إن كنت قد زرت اسطبلا عصريا للبقر الحلوب. قلت نعم قال: صف ما شاهدت. قلت: رأيت بقرا يحترم التنظيم ولم أر إلا البقرة المناسبة في المكان المناسب حيث ينتصب البيطري والملقح وكل أعوان الرعاية الصحية للقطيع في لباسهم الابيض الناصع. وكأنهم في قسم استعجالي وهم مدجّجون بالادوية. وما عون الرعاية الصحية... وعلى أهبة للتدخل السريع للكشف وعلاج أية بقرة حلوب كحّت أو أنّت أو خارت أو سخن جلدها أو سال ريقها، أو اصفرّ بولها أو رقدت على غير استقامة. رأيتهم كلهم مديرا وكلهم يُدير وكلهم ناظرا وكلهم ينظر الى البقر ومواقيت أكله وشربه والى تركيبة الغذاء ونوعية الشرب. رأيتهم يمسحون على جلد البقرة لتحلب أكثر وسمعت في الاسطبل موسيقى هادئة تسعد البقرة وتقيها من «الستراس»، وبصراحة رأيت ملائكة الرحمة تقيم في اسطبل البقر الحلوب مع البقر الحلوب. قال، وبعد الحلب. هلاّ سجّلت بعض النقائص؟ قلت: «صحة» للبقر الحلوب الذي أصبح لا ينقصه الا «الكنام» والسلام. قال: وعليكم السلام... وانصرف.