علاقة مريبة, بلا شك, تربط العرب أمة ومشروعا بشهر سبتمبر من كل سنة.. هي علاقة متوترة إلى حد النفور تربط بين ذاكرة جماعية تسعى إلى التخلص من رواسب الفشل والهزيمة وبين شهر خريفي ثقيل.. حزين بموضعه في السنة (إذ لا هو الصيف ولا هو الشتاء).. وأشد حزنا بما يحمله من ذكريات مؤلمة وأحداث «مأساوية». «أيلول».. يكفي أن العرب وصفوه بالأسود تعبيرا عن الأسى الذي أصاب الأمة عند تقاتل الجيش الأردني مع الفدائيين الفلسطينيين سنة 1970.. وقد يكونون قد وصفوه بذلك لارتباط الشهر بذكرى الانقلاب على الوحدة السورية المصرية في 1968.. وقد يكونون نعتوه بذلك لوصف الحزن الذي عمّ القلوب والعيون لفقدان جمال عبد الناصر في ذات الشهر من عام 1970 . «الديجور لم يغب عن سبتمبر 1978 الذي شهد توقيع اتفاقية كامب ديفيد .. ولا عن عام 1982 الذي شهد ولوحده اقتراف مجزرة مخيّم صبرا شاتيلا للاجئين الفلسطينيين على يد «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع الذي أصبح يسمى في ما بعد بحكيم لبنان ودخول الصهاينة لبيروت ومحاصرتها .. وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة اللبنانية . «العتمة» لم تنقشع أيضا عن سبتمبر 1993 الذي جدّ خلاله توقيع اتفاقية «أوسلو».. ولا ذات الشهر من عام 2001 حيث شكلت هجمات نيويورك خلاله أفضل ذريعة لضرب أفغانستان والعراق وتثبيت الأقدام الأمريكية في الشرق الأوسط.. ولا عن عامنا هذا الذي ابتدئ بقبول للتفاوض تحت جنازير الدبابات الصهيونية والجرافات الإسرائيلية ويكاد ينتهي ب «شبه تلكؤ» عن الصدع بالموقف الرافض للمحادثات على الرغم من تحدي الكيان الصهيوني لكافة الأطراف الأخرى ورفضه الانصياع لمطلب تمديد قرار تجميد جزئي للاستيطان غير معمول به أصلا. في ليلة من ليال «أيلولنا الحزين», وقف أفيغدور ليبرمان على منصة الأممالمتحدة وأعلن أن ترتيب حيثيات التسوية فحسب يحتاج إلى عشرات السنين الطوال وأن الأرض التي امتدت لها الأيادي الصهيونية صارت يهودية القومية والديانة والمشروع ولن تصبغ بأية صبغة أخرى وإن كانت أممية. يقول المنطق السياسي إن الذي يفقد الأرض والمكان يتلاشى في الزمان وأن الذي يتنازل عن قضيته المركزية يبتلى بشواهد التقهقر والضياع عساه يستيقظ قبل فوات الأوان... أو قبل أن يصبح العام بكله «أيلولا أسود» .