معضلة المحكمة الدولية المكلفة بالتحقيق في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري أنها ولدت مسيسة حتى النخاع.. رخوة كالزئبق وكأنها ولدت وهي مكلفة بمهمة أو بمهمات سياسية.. حيث أثبتت الأحداث أنها متعددة الرؤوس بتعدد المهام التي أوكلت لها.. وهي مهام من العيار الثقيل من قبيل الوجود العسكري السوري في لبنان وسلاح المقاومة اللبنانية.. وهذه وتلك خراجهما يصبّ لحساب إسرائيل ولا شيء يدل انهما سوف يصبان في صالح لبنان ولا في صالح الحقيقة ولا في صالح دم الشهيد رفيق الحريري. ولأنها ولدت مسيّسة حتى النخاع فقد بدت هذه المحكمة من خلال القائمين عليها ومن خلال من يحرّكون خيوطها من وراء الحجب وكأنها على عجلة من أمرها.. وذلك مشكلها الأول حيث بدت وكأنها أداة سياسية بعثت لتنفيذ أجندا سياسية وليست أداة قانونية بعثت للتحقيق في جريمة ذهبت ضحيتها شخصية في حجم الفقيد رفيق الحريري. أما المشكل الثاني لهذه المحكمة فقد ولد من رحم الأول.. إذ سرعان ما انساقت المحكمة وراء الأجندا السياسية لتوجه سهام اتهاماتها نحو سوريا بما يضمن ل«أصحاب الأجندة» مناخا من الضغوط السياسية والنفسية على سوريا تؤمن سحب جيشها من لبنان.. أما طريقة توجيه الاتهامات فهي موغلة في العبثية.. إذ لم يتردد القائمون على المحكمة في الانخراط في مسرحية هابطة وصل فيها العبث حدّ اختفاء لشهود والامتناع عن دعوة آخرين.. وهو عنصر كفيل بتقويض هذه المحكمة من أسسها.. ومع ذلك تواصلت المسرحية وانسحبت سوريا من لبنان.. وفي الأخير أقرت المحكمة ببراءة سوريا من دم الحريري واعتذر نجل الشهيد سعد الحريري من سوريا وهو إقرار ضمني بخطإ المحكمة الموقرة!! عوض أن يكون هذا الخطأ رصاصة رحمة لمحكمة تعترف بأخطائها الاجرائية، فإن القائمين عليها لم يترددوا في توجيهها صوب الهدف الثاني ممثلا في سلاح المقاومة.. وهو ما بات يوفر أجواء سياسية وأمنية ونفسية قابلة للانفجار في أية لحظة.. بعد التسريبات التي باتت تلمح وحتى تصرّح بأن القرار الظني للمحكمة سوف يتهم أعضاء من حزب اللّه أو قريبين منه باغتيال الحريري.. وهو ما سوف يفجّر الأوضاع في لبنان.. لأن الخطوة الموالية ستضع البلاد أمام حريقين مدمرين: اما اقتتال داخلي وفتنة طائفية بين السنّة والشيعة لا تبقي ولا تذر.. واما تدخل دولي أو عدوان صهيوني أو الاثنان معا لتجريد حزب اللّه من سلاحه.. وذلك تحقيقا لمطلب صهيوني معلن بعد ان عجزت الغطرسة الصهيونية عن تحقيق هذا الهدف بقوة الحديد والنار اثر عدوان 2006 والذي تلقت فيه هزيمة نكراء. أين يقف القانون وأين تبدأ السياسة في هذه المحكمة الموقرة؟ وما هو الهدف القادم بعد سلاح المقاومة؟ وإلى متى تعرض هذه المحكمة نفسها للايجار وتبرع في توزيع التهم بالمجان لأن خطأها مع سوريا قابل للتكرار مع حزب اللّه.. وكذلك مع الهدف الذي سوف يلي سلاح المقاومة؟ من يدري قد تمتد خيوط التسييس باتجاه غزة أو ساحات عربية أخرى... من يدري؟