انتقل الصحفي والكاتب المصري محمد حسنين هيكل في الحلقة الجديدة من المقابلات التي تبثها قناة «الجزيرة» القطرية منذ أسابيع مساء كل خميس إلى الحديث عن حالة الصدام التي نشأت في العراق بين الغزو الأمريكي والشعور الوطني العراقي الذي تجسد على الفور مقاومة مسلحة تفاقمت بمرور الأيام وتحولت إلى ما يشبه الكابوس بالنسبة إلى الأمريكيين. هيكل بدأ حديثه عن هذه الحالة من مشهد اسقاط تمثال الرئيس العراقي صدام حسين وسط بغداد مشددا على ان ما حصل في ذلك اليوم لم يكن في الواقع نتيجة ثورة شعبية وإنما كان بفعل الاحتلال العسكري المباشر. وحول هذه النقطة بالذات لاحظ هيكل ان ازالة تمثال صدام لم يعكس في الحقيقة رد فعل عراقي شعبي عام بما ان دخول قوات الغزو الأمريكية إلى بغداد مثل لحظة التباس تام. حسابات خاطئة وينطلق محمد حسنين هيكل من دخول قوات الغزو إلى بغداد باعتبار ان هذا الدخول سيقود باتجاه حالة تصادم بين الاحتلال والمقاومة التي نشأت على الفور وتولدت عن شعور وطني رافض للاحتلال والاذلال. ولاحظ الصحفي والكاتب المصري في قراءته لأطوار الاستهداف الأمريكي للعراق الذي تحول في نهاية المطاف إلى احتلال عسكري مباشر، ان الأمور التبست تماما على صانعي القرار في واشنطن الذين كانوا فاقدين لحاسة الاستشعار لرد فعل العراقيين على غزو بلادهم. هؤلاء لم يكونوا يدركون ان العراقي لم يكن ليقبل مذلة الاحتلال مع ان آلة الدعاية الأمريكية صورت الغزو على أنه تحرير. ثم ان «المحرّر» هو الذي جوع العراقيين لمدة 10 سنوات بواسطة الحصار ولهذا لن يستقبله العراقيون بالورود وهي الصورة التي حاولت أمريكا ترويجها في الأيام الأولى من الغزو. وأشار هيكل إلى ان العراقيين الذين استفزت أمريكا شعورهم الوطني لم يكونوا ليقبلوا بمحتل فظ جاء لاذلالهم وليس لتحريرهم مثلما زعم حكام الولاياتالمتحدة، مضيفا ان أغلبية العراقيين لم يكونوا سعداء مطلقا بدخول قوات الغزو إلى بغداد والمدن الأخرى. ووجد هيكل وجه شبه كبير بين رد فعل الشعب العراقي على الغزو الأمريكي وبين رد فعل الشعب الفرنسي على الاحتلال الألماني. ففي بغداد وباريس لم يستقبل السكان الغزاة بالورود ثم تطورت الحالة شيئا فشيئا إلى المقاومة المسلحة. وانتقل هيكل بعد هذا إلى الحديث عن تفاقم المقاومة المسلحة التي بدأت تتحول تدريجيا إلى ثورة حقيقية تصادمت مع الاحتلال الأمريكي على كل الأراضي العراقية. وأشار في هذا السياق أيضا إلى تركيبة المقاومة التي قال انها تتشكل من عناصر الجيش الذي حله «بريمر» وعناصر حزب البعث وعناصر متطوعة وعرب ومسلمون تطوعوا لمجابهة القوات الغازية. ولاحظ أيضا في هذا الاطار ان المقاومة في معظمها تطورت بشكل منظم إلى أن بلغت ما بلغته الآن. وفي سياق الحديث عن المقاومة أيضا أوضح هيكل ان هذه المقاومة أرادت من خلال ضرب الصليب الأحمر ثم الأممالمتحدة في بغداد ان تعرّي المحتل من أي مظلة شرعية دولية. وتطرق محمد حسنين هيكل إلى الدور الذي قامت به الأممالمتحدة في العراق (إلى غاية تدمير مقرها وقتل ممثلها سيرجيو دي ميلو في أوت 2003) مؤكدا ان أمريكا سعت إلى استخدام الأممالمتحدة مطية لاضفاء نوع من المشروعية على احتلال العراق. وأوضح في هذا السياق ان كوفي عنان (الذي قال انه تعرض لابتزاز أمريكي سافر) لم يكن قادرا على أن يقف معاندا لأكبر قوة في النظام الدولي السائد. وأشار هيكل أيضا إلى دور بعثة الأممالمتحدة في العراق وتحديدا إلى دور غسان سلامة في مساعدة الأمريكيين على حكم العراق بواسطة «مجلس الحكم» الذي تمكن من خلال الضغوط الأمريكية من اختراق الجامعة العربية بكيفية «مذهلة» ثم احتل بعد ذلك مقعد العراق في الأممالمتحدة. ** «فتنمة» العراق بعد مقتل سيرجيو دي ميلو ممثل الأمين العام الخاص في العراق، رفعت الأغطية عن الولاياتالمتحدة أي الغطاء الذي من خلاله حاولت واشنطن جعل تواجدها العسكري في العراق شرعيا بحكم لعب الأممالمتحدة دورا في العراق، في هذا الظرف بالذات يقول: محمد حسنين هيكل بدأت مرحلة «فتنمة» العراق (نسبة إلى فيتنام) والمقصود تحريك خيوط الحرب الأهلية واستهداف كل عناصر المقاومة والقضاء عليهم كما حدث تماما في فيتنام حين نظمت حملة عسكرية أدت إلى قتل ما بين 3 إلى 4 آلاف مقاوم. ثم دخلت الولاياتالمتحدة في مرحلة مقاولة الحرب بما يعني منح عقود بملايين الدولارات لشركات أمنية وفرت مرتزقة لسلطة الاحتلال والهدف من كل ذلك تخفيف العبء على الجيش الأمريكي وحجب الخسائر البشرية عن الرأي العام الأمريكي والدولي. ويؤكد هيكل نقلا عن رئيس عربي مقرب من دوائر الأمريكان قوله إن خسائر الأمريكان المعلنة ليست إلا ربع الخسائر الحقيقية. كما ان عدد الجنود الفارين عبر الأردن فقط وفق احصائيات أردنية بلغ 760 جنديا (فارا) من المعارك. وينتهي هيكل إلى التأكيد على أن الأمريكان فشلوا في «فتنمة» العراق وفشلوا في اثارة حرب أهلية، فتحركوا ل»تدويل» العدوان ولكن التدويل الذي أرادوه تدويل شكلي. وأوضح محمد حسنين هيكل ان الادارة الأمريكية حاولت «تدويل» العدوان عبر ابتزاز الأممالمتحدة. وأضاف ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان تعرض شخصيا للابتزاز عبر اثارة 3 قضايا أولها التحقيقات في برنامج النفط مقابل الغذاء والادعاء بأن عنان يتحمل مسؤولية الفساد المالي والسرقات التي وقعت ضمن هذا البرنامج. القضية الثانية تعلقت بنجل عنان الذي عيّن مستشارا لاحدى لجان مراقبة المواد التي يشتريها العراق عبر صندوق الأممالمتحدة التابع للبرنامج سالف الذكر، والزج باسم نجل عنان في هذه القضية يأتي ضمن حملة الابتزاز التي مورست على عنان. أما القضية الثالثة فمن أغرب القضايا تعلقت باختفاء الصندوق الأسود لطائرة تحطمت وعلى متنها رئيسا بوراندي ورواندا اللذان كانا يتحدثان عن مسؤولية عنان في مجازر رواندا (بحسب الادعاءات الأمريكية) وتنتهي القضية بالعثور على هذا الصندوق في أحد مخازن الأممالمتحدة؟ والمحصلة في كل هذا ابتزاز كوفي عنان ليوافق على كل المطالب الأمريكية. من جهة أخرى وصف هيكل قتل وعرض صور جثتي عدي وقصي نجلا صدام حسين بأنه فظيع ومؤلم.