يكتبها اليوم من بيروت الأستاذ ناصر قنديل عندما وصل الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض اتسعت مساحة التفاؤل العربي بمستقبل حل القضية الفلسطينية، بما تجاوز ما عرفه الشارع العربي مع أي رئيس امريكي آخر، فهذه المرة المسألة ليست مجرد اتكالية عربية تبحث عن سبب تتكئ عليه فتجد الرئيس الأمريكي وأوراق اللعبة بين يديه، كما هو حال العرب منذ اتفاقيات كامب ديفيد، بل رئيس يأتي على خلفية فشل مشاريع الحروب التي تورط فيها سلفه، وفي مناخ تأزم بين الولاياتالمتحدةالأمريكية المتورطة في حروب ساحتها البلاد الاسلامية من جهة، وشعوب العالم الاسلامي من جهة مقابلة، وفي قلب التوتر كما رأت كل مراكز الأبحاث الأمريكية، قضية فلسطين العالقة من دون حلول، وفوق كل ذلك وصل باراك اوباما الى البيت الأبيض وفي الخلفية حضور صاخب لهزيمتين اسرائيلتين متتاليتين أمام قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، بما جعل اسرائيل تبدو أكثر من اي وقت مضى محمية أمريكية لا تملك القدرة على شن الحروب، وتحتاج شبكة أمان أمريكية قبل انجاز ترتيبات الانسحاب الأمريكي من العراق، ومحورها اتفاقيات سلام راسخة، تجنبها مواجهة مستقبل قاتم ينتظرها كما قالت تقارير وزارة الخارجية الأمريكية . تعززت موجة التفاؤل العربية بتزامن وصول أوباما مع دخول الاقتصاد الأمريكي أعقد أزمة مالية منذ قرن كامل، وبروز حاجة أمريكية ماسة لتوظيف الأموال العربية المتراكمة من عائدات النفط في عملية الانعاش الاقتصادي، بما يجعل العرب حاجة امريكية حيوية، بعدما جعل النفط وفشل حروب السيطرة على العرب حاجة أمريكية استراتيجية . استندت موجة التفاؤل أيضا الى ما رافق ترشح اوباما من خطاب تصالحي مع العالمين العربي والاسلامي، وما تضمنه من ادانة لتاريخ السياسات الأمريكية تجاه العرب والمسلمين، سواء من تمييز عنصري أو من تجاهل لقضية فلسطين، ورغم تراجع نبرة أوباما في هذين المجالين قبل وصوله الى البيت البيض وتغير مضمون مواقفه في محطات واضحة كتبنيه العلني لتوأمة الأمنين الأمريكي والاسرائيلي، وتبنيه المعلن ليهودية اسرائيل كدولة، كان العرب يجدون له الأعذار بالاعتبارات الانتخابية ويصرون على أن أوباما الرئيس يختلف عن أوباما المرشح، وأن الخطاب الأصلي سيتحول الى سياسة رسمية بمجرد وصول اوباما الى البيت الأبيض. وما فعله العرب لم يكن حكرا عليهم وحدهم فقد شاركهم أبناء جلدة أوباما الأمريكيين من أصول أفريقية في سياسة البحث عن الأعذار لأوباما المتراجع عن مواقفه المساندة بقوة لتصفية بقايا التمييز العنصري في النظام الأمريكي بحق السود والهنود الحمر وسائر ضحايا اللون الأبيض . وصل باراك اوباما، وبات واضحا أن الخطاب الرسمي الذي يعتمده تجاه الوعود التي تهم العرب والمسلمين ومعهم الأمريكيين الذين صعد على أكتافهم، هو نسخة معدلة من آخر خطاب انتخابي وفقا لمعادلتين، الأولى هي اجماع الحزب الديمقراطي الذي وصل الى البيت الأبيض تحت رايته، وهذا معناه التصالح مع منافسته الرئاسية في الحزب هيلاري كلينتون ومن تمثل من قوى حزبية كانت تخالفه الرأي في الملفات الشائكة، وكان خطابه التضامني مع العرب والمسلمين والسود ردا على خطابها العنصري والتضامني مع اسرائيل بالأساس، مما يعني العودة الى مربع لا نكهة جديدة فيه في الملفات الحاسمة، والمعادلة الثانية هي اجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري تحت شعار وحدة الأمة الأمريكية في مواجهة التحديات ،مما يعني تبني خطاب توافقي مع الذين كانوا في حروبهم وسياساتهم مصدر الأذى الذي أصاب العرب والمسلمين ومعهم سائر ضحايا النظام الطبقي والعنصري في الداخل الأمريكي . تتابعت الخيبات مع كل خطوة وخطاب جديدين لأوباما، وتتابعت الأعذار، وكان أهمها انتظار استحقاق الانتخابات النصفية التي يتقرر فيها مصير الأغلبية في الكونغرس، والعذر هو أن حاجة أوباما الى ضمان هذه الأكثرية يلزمه بمخاطبة قوى وشرائح أمريكية مخالفة وتقديم التنازلات لها لكسب تأييدها، وها هي الانتخابات النصفية تنتهي، ويخسر باراك أوباما الأغلبية ليسقط آخر معاقل الوهم بيد الحزب الجمهوري الذي يستعيد مع الأغلبية عنصر المبادرة للعودة مجددا الى البيت البيض . خرج باراك أوباما بعد نتيجة الانتخابات مؤكدا أنه ينتصر، لأن النتيجة أكدت صحة رأيه بضرورة وحدة الحزبين وعدم النظر بمن يملك الأغلبية ومن يملك الأقلية لأن لا شيء سيفعله الرئيس سيحتاج الى الخلاف والنظر في توزع الأصوات . السود سحبوا أيديهم من أوباما قبل الانتخابات النصفية للكونغرس، وأعلنوا انه لا يمثلهم، وأنه أقل من رئيس تقليدي لمرحلة غير تقليدية، لكن العرب والمسلمين لم يفعلوا بعد، فهل يفعلون ؟ السؤال نابع من مبادرة أوباما التي يحملها جورج ميتشل الى المنطقة لحل القضية الفلسطينية والتي لم يعد ثمة مجال للشك أنها ستزداد سوءا، برعاية هيلاري كلينتون من جهة وبتوافق الجمهوريين برموز من نوع جيفري فيلتمان ودنيس روس ومارتن انديك من جهة مقابلة ،و الذين يمثلون العقل السياسي لباراك اوباما تجاه الصراع العربي الاسرائيلي. مشروع الصفقة التي يعرضها أوباما على العرب تقول «هاتوا أموالكم لشراء السلاح وتشغيل مصانع الأسلحة الأمريكية، وثمة أسلحة تأخذونها بعد موافقة اسرائيلية مسبقة وهي موافقة تصبح مضمونة اذا قبلتم شروط اسرائيل للسلام ودخلتم في حلف معها لمواجهة ايران، وحل القضية الفلسطينية مسألة ممكنة اذا تخليتم عن القدس واللاجئين و قبلتم اسرائيل دولة يهودية يعيش العرب فيها أقل مما يقبل الهنود الحمر في أمريكا، وستكون لكم دولة لها نشيد وعلم وحرس رئاسي على جزء تقرره اسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، والباقي تستأجره منكم اسرائيل بأموال تدفعونها أنتم للفلسطينيين .» في الطريق الى أوباما سوف نرى الفتن المتنقلة تجتاح بلادنا ونرى محكمة دولية تستهدف المقاومة في لبنان ونرضى، وتقسيم السودان وحصار غزة ونسكت، وعزاؤنا اننا كسبنا للعرب رقما جديدا، فقد وصل الى البيت الأبيض رجل يشبهنا ليس في سحنته القريبة من لون بشرتنا فقط، ولا حتى في اسم والده المنتسب الى نسب عائلاتنا، وحسب، بل في صفة جينية تلازمنا، فهو مثلنا كثير الأقوال قليل الأفعال .