التأم أمس المنتدى الاقتصادي العربي الياباني في دورته الثانية التي تحتضنها تونس وذلك بحضور عدد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال العرب واليابانيين الذين تداعوا على مدى نهار أمس إلى بحث واستكشاف آفاق التعاون والشراكة بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنمية البشرية والتكنولوجيا والطاقة والبيئة والتعليم. الملتقى الذي يختتم أعماله اليوم الأحد باجتماع وزاري ولقاء أعمال بدا وكأنه محاولة جادة لردم الهوة بين «معجزة يابانية» من جهة وواقع عربي عاجز من جهة أخرى وأيضا شكل محطة مهمة لبناء علاقات أكثر متانة وقوّة... ومن هنا كانت هناك أسئلة كبيرة ترافق أشغال الملتقى أسئلة من قبيل : أية فرص لدفع هذه العلاقات... وما هي مسالك ومجالات استكشاف هذه الفرص... ثم ما هي الاستحقاقات المطروحة على أجندة الطرفين في عالم تتسارع فيه التحولات وتتعاظم فيه التحديات؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها كثير وضعت أمس على طاولة المشاركين وأخضعت إلى نقاش وتمحيص دقيقين خلال هذا الملتقى الذي حمل عنوان «صفحة جديدة على درب الرخاء المشترك»... لكن السيد محمد الغنوشي، الوزير الأوّل أجاب في كلمته الافتتاحية للملتقى عن جزء كبير من هذه الأسئلة مبرزا بالخصوص أن إمكانيات التعاون والتكامل وتشابك المصالح بين البلدان العربية واليابان عديدة ومتنوعة في ضوء ما يزخر به الوطن العربي من طاقات بشرية وطبيعية كبيرة وما ينتهجه من توجهات لكسب رهان التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي. وفي ضوء المكانة المتميزة التي تحتلها اليابان على الساحة العالمية وما حققته من إنجازات ونجاحات باهرة في عديد الميادين الاستراتيجية. آفاق واسعة السيد محمد الغنوشي لاحظ في ذات السياق أن اليابان يوفّر آفاقا واسعة لتعزيز التعاون والشراكة مع الفضاء العربي بالنظر إلى حجمه البشري والاقتصادي من خلال تعداده السكاني الذي يبلغ 125 مليون نسمة وناتجه المحلي الاجمالي الذي يصل إلى 5 آلاف مليار دولار وأيضا باعتبار ريادته الساحة العالمية في المجالات العلمية والتكنولوجية. ودعا الوزير الأوّل الجميع هنا إلى مضاعفة العمل وتضافر الجهود لبلورة آفاق أوسع للتعاون على أسس قوامها التكامل وتبادل المنافع وتكريس المصالح المشتركة بين الطرفين مبرزا الدور الذي تقوم به القيادة التونسية في هذا الاتجاه.. السيد النوري الجويني، وزير التنمية والتعاون الدولي شدد بدوره في كلمته الافتتاحية على ضرورة دفع التعاون العربي الياباني والرقي به إلى درجة الشراكة الفاعلة كما أعرب عن أمله في أن يكون إعلان تونس مرجعا يتم الاعتماد عليه في منتديات التعاون القادمة... الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى أكّد في كلمته على أهمية إطلاق برنامج للتعاون الثقافي والعلمي والتعليمي مشيرا إلى أنه تم الاتفاق في هذا الصدد على إقامة منتدى ثقافي عربي ياباني... كما أوضح السيد عمرو موسى أنّ الانفتاح على آسيا يظل أحد أهداف الديبلوماسية العربية لافتا النظر إلى أن الجامعة العربية قطعت عدة خطوات وقامت بتحركات جادة في هذا الاتجاه لكنه أعرب في المقابل عن أمله في انخراط أكبر لليابان في جهود الشرق الأوسط وإرساء سلام مستقر... وبلغة الأرقام أشار موسى إلى أنّ مؤشر زيادة التبادل التجاري بين الجانبين عاد إلى الصعود وحقق معدلات مهمة بلغت 53 مليار دولار... كما أشار إلى أن حجم المساعدات الفنية التي تقدمها اليابان إلى الدول العربية بلغت مليار دولار خلال عام 2008. لغة الأرقام هذه كانت حاضرة أيضا في مداخلة وزير الخارجية الياباني السيد سيجي مائيهارا الذي أشار إلى أن معدلات نمو هذه العلاقات التي ستصل إلى حدود 300 تريليون دولار تؤشر إلى أن الطريق مفتوحة لتحقيق نتائج ملموسة ومستقبل أفضل للشراكة العربية اليابانية التي قال إنها تستمد أهميتها خاصة بعد الأزمة العالمية. وأضاف مائيهارا إن الدول العربية ستحقق نقلة نوعية في هذه الظرفية لكنه شدد على ضرورة أن ترى هذه الدولة أوجها أخرى للتعاون خاصة بالنسبة إلى الدول المغاربية التي تعتمد في معظمها على أوروبا... الوزير الياباني أوضح أن ديبلوماسية بلاده تهدف إلى صياغة خطط مشتركة مع الجانب العربي وتسعى إلى المساعدة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال. مستوى رفيع «الصوت» الياباني في المنتدى كان حاضرا في ورقة العمل التي قدمها وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني السيد أكيهيرو أوهاتا الذي لاحظ أن هناك مستوى رفيعا جدا من المصالح المشتركة التي تستمد مكانتها من علاقات طويلة بين الجانبين يعود تاريخها إلى 250 عاما. وأوضح الوزير الياباني في هذا الصدد أن في إمكان الطرفين اعتماد مقاربة واتخاذ تدابير أساسية لدعم التنمية في مختلف المجالات مشيرا إلى أن هناك 40 مشروعا للتعاون العربي الياباني سيقع الاعلان عنها... لكنه شدد في الأثناء على ضرورة احترام كل طرف لثقافة الآخر وعلى تعميق التعاون والثقة بين الجانبين. من جانبه اعتبر السيد محمد الصحراوي، نائب رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أن هذا اللقاء يؤكّد الحرص المشترك للطرفين العربي والياباني على دفع التعاون القائم وتطويره والارتقاء به نحو أفضل المستويات فضلا عن تعزيز دور القطاع الخاص وتفعيله لما فيه مصلحة الاقتصادين العربي والياباني. السيد محمد الصحراوي أكد في هذا الإطار أن الامكانيات الكبيرة الموجودة بالبلدان العربية واليابان في كل المجالات والنشاطات الاقتصادية تدعو الطرفين إلى التأسيس لخطط تعاون استراتيجية وليس لمجرد تعاون تقليدي نظرا لما يشهده العالم اليوم من تكتلات وللحاجة المشتركة لتحقيق قفزة نوعية عبر استكشاف مجالات تعاون جديدة والتوجه بشكل أساسي نحو إقامة استثمارات مشتركة ونحو الأسواق الواعدة... وهي أسواق وآفاق تبدو وفق ما جاء على لسان عدد من المشاركين الذين التقتهم الشروق على هامش الملتقى مفتوحة وواعدة لكن شريطة أن يسلك العرب «طريق» التجربة اليابانية ويتعلموا من المعجزة التي حققها هذا «العملاق»... ما من شأنه أن ينهي ما يتردون فيه من عجز وإخفاق...