بقلم الأستاذ فوزي بن مراد (المحامي) لقد كان من أهم تداعيات ثورة الحرية والكرامة مطالبة أغلبية الشعب التونسي حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ومصادرة ممتلكاته وأرصدته المالية، واعتبارها من أملاك الشعب وأمواله... اذ لا تخلو مسيرة في أي شبر من البلاد من لافتات أو هتافات تؤكد على هذا المطلب... كما أن عديد الأحزاب، والتيارات السياسية دفعت بدورها في هذا الاتجاه اذ اعتبرت جبهة 14 جانفي في بيانها التأسيسي أنه من «المهام الملحة لهذه الجبهة حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ومصادرة مقراته وممتلكاته وأرصدته المالية باعتبارها من أموال الشعب وتسريح متفرغيه». (أنظر البيان التأسيسي جريدة الشروق 22 جانفي 2011) ان ثورتنا وككل الثورات تحطم كل الهياكل والهيئات والنظم القانونية القائمة قبلها مهما كانت درجتها في السلم التفاضلي... الا أنه لاعتبارات يطول شرحها تخرج عن غاية هذا المقال تم الالتجاء الى الدستور الذي كان من المفروض أن يذهب في حقيبة الرئيس المخلوع اذ تم اعتماد الفصل 57 منه لسد الشغور في منصب رئيس الجمهورية... وفي نفس الوقت خرقه لعدم احترام الأجل المحدد لاجراء الانتخابات الرئاسية الذي أدناه 45 يوما وأقصاه 60 يوما... بناءا على ذلك واعتبارا للأسلوب التلفيقي الواقع اعتماده يمكن كذلك الاستناد الى القانون المنظم للأحزاب السياسية لحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي. يخضع الترخيص للأحزاب السياسية أو حلها الى القانون الأساسي المؤرخ في 3 ماي 1988 الذي يحتاج الى صياغة جديدة نظرا لطابعه البوليسي ومرجعيته غير الديمقراطية الا أنه يمكن استعماله كما تم استعمال الدستور لحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي. اقتضت أحكام الفصل 19 من القانون المنظم للأحزاب السياسية أنه «يمكن لوزير الداخلية أن يتقدم بطلب للمحكمة الابتدائية بتونس قصد حل حزب سياسي في صورة خرق فادح لأحكام هذا القانون وخاصة في الحالات الآتية. أ اذ نالت برامج الحزب أو نشاطه من المبادئ المنبنية بالفصلين 2 و3 من هذا القانون». وبمراجعة الفصلين المشار اليهما أعلاه يتضح أن الفصل 2 هو الذي وقع خرقه من طرف حزب التجمع الدستوري الديمقراطي اذ اقتضت أحكامه أنه على الحزب السياسي «أن يحترم ويدافع عن مكاسب الأمة وخاصة منها النظام الجمهوري وأسسه ومبدأ سيادة الشعب». يعلم الجميع أن الدستور التونسي قد عرف منذ 7 نوفمبر 1988 عدة تنقيحات بلغ عددها سبعة وتمت في التواريخ التالية: (26/07/1988 8/11/1993 06/11/1995 27/10/1997 02/11/1998 30/06/1999 01/06/2002) وقد أدت هذه التنقيحات الى تجميع كافة السلطات بين يدي «رئيس الجمهورية» وتكريس الحكم الفردي وسن عديد الآليات القانونية لمنع التداول على السلطة بطريقة سلمية فضلا على التداخل بين السلط وانعدام مطلق لاستقلالية القضاء مع تزوير الانتخابات والاعتداء على ارادة الشعب مما نتج عنه دستوريا وسياسيا تفكيك النظام الجمهوري وتحويله الى نظام فردي استبدادي. ان هذه التنقيحات والممارسات صدرت عن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي حينما كان مهيمنا على كامل المؤسسات... التنفيذية والتشريعية والقضائية... مما يجعله تحت طائلة أحكام الفصل 19 من قانون الأحزاب الذي يرتب جزاء الحل في هذه الصورة. وفضلا على ذلك وبالرجوع الى أحكام النظام الداخلي للتجمع الدستوري الديمقراطي يتضح أن كافة الصلاحيات في يد رئيس التجمع: فهو الذي يعين الكاتب العام للجنة التنسيق... ويعين جزءا من أعضاء اللجنة المركزية... ويعين من بين أعضاء اللجنة المركزية أعضاء الديوان السياسي... ويوزع بقرار فردي منه المسؤوليات داخله... وبالتالي فهذا الحزب لم يكن منظما على قواعد ديمقراطية كما نصت على ذلك أحكام الفصل 5 من قانون الاحزاب الذي أوجب تنظيم الحزب السياسي «على أسس ومبادئ ديمقراطية ويكون نظامه الأساسي مطابقا لها»... الشيء المنعدم مطلقا في جانب التجمع. بناء على ذلك تضمن الفصلان 19 و20 من القانون المنظم للأحزاب الاجراءات الواجب اتباعها لحل أي حزب سياسي... فقد منح المشرع النوفمبري حق رفع الدعوى في حل الحزب الذي ارتكب الخروقات المذكورة أعلاه كما هو الشأن بالنسبة الى التجمع الى وزير الداخلية وذلك بمقتضى عريضة ترفع الى المحكمة الابتدائية بتونس التي أوجب عليها القانون اتباع اجراءات خاصة ذات صبغة استعجالية والحكم في الدعوى في أجل أقصاه 30 يوما من تاريخ رفعها... وتؤول أمواله وأملاكه الى ادارة أملاك الدولة عملا باحكام الفصل 24 من القانون المنظم للأحزاب. ان من أهم القواعد النضالية التي انتجتها الثورة التونسية القاعدة التالية: «كانت موازين القوى ضد الثورة فلم تستسلم وحينما أصبحت موازين القوى لصالحها لم تنتقم»... وبالتالي فمن يريد ممارسة النشاط السياسي من طرف التجمعيين عليهم بناء حزب جديد وباسم جديد...