«لا تدعه يعمل.. لا تدعه يمر»،. شعار يرفعه في ولاية تطاوين عدد كبير من الشبان في وجوه راكبي العربات في ما يعرف بخط النفط (الطريق الرابطة بين مدنين وحقول النفط في البرمة). «لا يدخلن علينا إلا من كان تطاوينيا»، هذا ما يطبقونه الآن، لكن المشكلة لا تتعلق بالجهويات، بل تتمثل في اعاقة الخطّ. فيما يستشرف بعض «حكماء تطاوين» خطرا محدقا يتمثل في امكانية ايقاف امدادات النفط لو تواصلت الوضعية الحالية في الولاية. لهذا تحرك بعض «الحكماء» في الجهة واتفقوا رغم اختلافاتهم الحزبية والفكرية والايديولوجية على التحرك قصد حماية المصلحة العامة عبر التعريف بمشاغل أولئك الشبان. هي ظاهرة انطلق التفكير فيها قبل مدة طويلة نتيجة احساس شباب تطاوين بالغبن والحرمان والتهميش. وبدأ تنفيذها فعليا منذ اندلاع الثورة التونسية الحالية. وتتمثل مظاهرها في اقامة الحواجز على طول خط النفط وهي الطريق الرابطة بين الحدود الفاصلة بين ولايتي مدنينوتطاوين من جهة وبين حقول النفط في البرمة (حوالي 200 كيلومتر) من جهة أخرى. وقد توسعت الفكرة نحو خط النفط الجزائري الذي يربط حقول النفط في حاسي مسعود بميناء الصخيرة والدليل إقامة الحواجز على الجزء الواقع في ولاية تطاوين من هذا الخط. المراقبة مستحيلة هي ليست حواجز أمنية، كتلك التي أقامها شبان الجمهورية قبل أيام لحماية أحيائهم وقراهم. بل هي حواجز مراقبة يجبر الشبان فيها جميع السيارات والعربات على التوقف قصد التثبت من هويات ركابها والفوز في هذا المجال لمن تثبت وثائقه أنه أصيل ولاية تطاوين. أما البقية فيحتاجون الى وقت طويل لمناقشة الشبان ومحاولة اقناعهم وغالبا ما يتمسك الشبان بموقفهم حتى يتدخل أعوان الأمن أو الجيش التونسي. ويؤكد السيد عمر الطاهر (أحد الحكماء المذكورين) أنه عاين بعض هذه الحواجز وعلم بمواقع أخرى. وقد كانت حتى الأيام القليلة الماضية تتركز في مداخل تطاوين والبئر الأحمر والرقبة وكمبوث ومفرق 10 وغيرها، لكن حزم الجيش وأعوان الأمن دفع بالشبان الى تغيير المواقع والتركيز أكثر على الأماكن الصحراوية. «يستحيل منطقيا وعمليا مراقبة مئات الكيلومترات في منطقة صحراوية» الكلام للدكتور عمر الطاهر الذي أكد خشيته وخشية أهالي تطاوين عموما على مصلحة البلاد لأن هناك نيّة لدى الشبان في منع امدادات النفط إذ فشلت مساعيهم الحالية (حواجز المراقبة) في تحقيق أهدافهم. ولكن ماهي تلك الأهداف؟ بين «الحرقان» والاحتراق «من الظلم وصف أولئك الشبان بالمخرّبين أو المجرمين.. هم مجرد محتجين ضاقت بهم السبل وفشلوا طيلة عقود في التعريف بقضاياهم ومشاكلهم فظلوا محرومين ومهمشين»، هكذا يصفهم السيد عمر الطاهر قبل أن يؤكد أن أهالي تطاوين يطبقون مفارقة غريبة فهم يتمسكون بالعيش في مكان لا زراعة فيه ولا صناعة ولا سياحة ولا تجارة (عدا بعض الدكاكين البسيطة التي توفر الخدمات الأساسية). وقد كان بعض الفلاحين يلوذون بتربية الماشية، لكن توالي مواسم الجفاف وغلاء أسعار العلف أجبر جلهم على بيع قطعانهم في ليبيا فماذا بقي لشبان الولاية؟ السؤال لنا أما الإجابة فتكفل بها السيد عمر: «إذا استثنينا النسبة الضئيلة والمحظوظة منهم (الموظفون والمنتمون الى سلك التعليم وأصحاب المشاريع البسيطة)، فإن الأغلبية الباقية لا تجد غير الاختيار بين حلين يتنافسان في المرارة: السفر خلسة الى أوروبا (الحرقان) أو المتاجرة بالبترول المهرب من ليبيا». ويحتفظ أهالي الجهة بمآس عديدة في الحلين وهي هلاك بعض الحارقين وتواصل الحوادث المرتبطة بتهريب البترول (حوادث المرور والانفجارات والحرائق). الماء موجود يتمسك أغلب أهالي تطاوين الى اليوم بالعيش فيها، رغم صعوبة وانسداد الآفاق أمامهم. تلك هي المفارقة التي ذكرناها سابقا، لكن يمكن تحويلها الى مفارقة معاكسة أي تحويل الولاية الى جنّة. هذا ما يردّده الجميع هناك بكبيرهم وصغيرهم بشيبهم وشبابهم. الأمر لا يتطلب الاستعانة بعصا سحرية بل اتخاذ القرارات المناسبة. يبدو الماء أهم عقبة في منطقة صحراوية قاحلة وجافة ولكن الحل موجود فقبل أشهر أعلنت شركة سويسرية بعد دراسة مستفيضة في المنطقة عن رغبتها في غراسة آلاف الهكتارات من أشجار الكالاتوس في برج الخضراء قصد الاستفادة من الخشب وهذا دليل على وجود الماء في باطن الأرض مما يعني امكانية الحصول عليه في برج الخضراء وغيرها من المناطق بغض النظر عن مشروع الشركة السويسرية. ويرى الأهالي أن ولايتهم تضم النسبة العظمى من الثروة النفطية والغازية في تونس، لكن مداخيلها والأتاوات المفروضة على عبور النفط الجزائري تعود الى خزينة الدولة. فما المانع من تحويل نسبة عادلة منهما الى ولاية تطاوين لاستثمارها في المشاريع الاقتصادية؟ السؤال للأهالي الذين يطالبون أيضا في هذا المجال بنقل مقرات الشركات البترولية الى تطاوين لخلق المزيد من مواطن الشغل. «حرب النجوم» يطرح الأهالي في مجال الصناعة فكرة توسيع البحث عن الموارد الطبيعية في الجهة من خلال مسح جيولوجي شامل مع تنمية المشاريع الصناعية. كما يقترحون في مجال السياحة تنمية ما يعرف بسياحة الاقامة وذلك عبر بعث مشاريع محلية في تطاوين قصد ايواء السياح بدل اكتفائهم بالمرور منها الى المناطق الصحراوية. ويرون أنّه بالامكان الاستفادة من بعض الأماكن المشهورة عالميا مثل مكان تصوير فيلم «حرب النجوم» وتاريخ «جويو» ونيازك فهم تطاوين حتى تصبح هذه المنطقة شبيهة بمراكش في المغرب. وقد استغل المواطنون الفرصة للمطالبة بتحسين المجال الصحي في ولايتهم والاجتهاد أكثر في مقاومة التصحر والانجراف وبعث الفضاءات الترفيهية والثقافية للشباب مع مساعدتهم على محاربة البطالة حتى ينتفي احساسهم بالظلم ويتوقف تفكيرهم في الحلول التي تضر بمصلحة تونس.