هو من المخرجين التونسيين القلائل الذين يشتغلون في الفيلم الوثائقي... هاجر الى فرنسا في بداية الثمانينات... وهناك اكتشف لذة العمل في هذا النوع من الافلام الذي يكاد يكون غائبا او منعدما في الوطن العربي! اسمه منصف الحسناوي، انجز عشرات الافلام الوثائقية لقناة آرتي الفرنكو ألمانية، وقناة TV5 وقناة F3 وغيرها من التلفزات الاوروبية... من افلامه التي يفتخر بها «لطيفة الزيات» الكاتبة المصرية الكبيرة و»فدوى طوقان» و»محمد شكري» و»محمود موسى» النحات المصري الكبير كما انجز افلاما عن المهاجرين من فرنسا، وعن موسيقى الأوبرا (ماكس دوتش) وعن المسرح (المسرح الوطني بسترازبورغ) وعن رمضان في اوروبا (في زمن رمضان).. من احدث اعماله عندما تغني المرأة وهو فيلم في 52 دقيقة عن الغناء النسوي في مصر من الحرب العالمية الاولى الى نهاية الخمسينات من القرن الماضي... وينتظر ان يكون الفيلم مبرمجا في ايام قرطاج السينمائىة التي ستنتظم من 01 الى 09 اكتوبر القادم اذ تمت دعوته من قبل إدارة المهرجان للاطلاع على الفيلم، والنظر في امكانية برمجته ضمن قسم الفيديو.. وخلال هذه الزيارة الى تونس، التقته «الشروق» في حديث كشف فيه عن مجمل افلامه والاسباب التي دفعته لاختيار هذا اللون من الافلام الذي يكاد يكون منعدما في الوطن العربي.. *لماذا اخترت العمل في الفيلم الوثائقي رغم ان الكل يعلم ان هذا النوع من الافلام يكاد يكون منعدما في تونس والوطن العربي عموما؟ هناك لذة كبيرة في الاشتغال في الافلام الوثائقية ففيها تكتشف عوالم كثيرة لا تعرفها سواء كانت شخصيات او معارف او معلومات، مردومة تأتي انت بعد سنوات فتعيد احياءها ثم تكشفها للناس... وانا مثلا انشددت الى هذا النوع من الافلام صدفة لما كنت في مقهى.. كنت اسمع الناس من بعيد في طاولتي وكل منهم يتحدث في موضوع مختلف... مجموعة تتحدث عن السياسة واخرى تناقش قضية اجتماعية... من الناس يمكن ان تأخذ عشرات الافكار والمواضيع فتحاول بحثها ودراستها مع هؤلاء الناس انفسهم اذ لكل منهم شخصية درامية بتقاسيم وجهها وافكارها واحلامها ومشاكلها... العمل مع الناس ممتع وفيه لذة قد لا تجدها مع الشخصيات الخيالية او الروائىة المتداولة في السينما... الفرق بين الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي هو ان الوثائقي لا تستطيع ان تتحكم فيه ففيه دائما اشياء غير منتظرة وتلك هي المتعة او اللذة الحقيقية في نظري. *ولكن فرص العمل في الافلام الوثائقية تكاد تكون نادرة وخصوصا في الوطن العربي! ولهذه الاسباب يقيم كل المخرجين العرب المختصين في الفيلم الوثائقي في اوروبا امثال عمر اميرلاي من سوريا وبن اسماعيل من الجزائر وتهاني راشد من مصر وعلي الصافي من المغرب وجان شمعون من لبنان. *ولماذا لا توجد افلام وثائقية في الوطن العربي، في نظرك؟ الفيلم الوثائقي مخيف وتخشاه السلطة بالخصوص لأنه مهما اختلف موضوعه يحمل دائما رؤية سياسية.. اعطيك مثلا: في مصر لا يريدون تصوير الحمير بتعلة انها تشوّه صورة السياحة في حين ان فرنسا تعتبر المشردين والصعاليك في شوارعها مشهدا ثقافيا لا يمكن حذفه او تجاهله في المشهد الثقافي العام! *ولكن بهذه الرؤية سوف لن تكون هناك وثائق تؤرخ للمجتمع العربي! وتلك هي المأساة.. العرب لا يوثقون الا الرسمي... ففي المغرب مثلا لي صديق موسيقار اسمه احمد السياري اشتغل على الموسيقى البربرية، مع عالمة موسيقى هولندية... سجّل تقريبا مائة ساعة من الموسيقى الشعبية ولما استقلت المغرب قام احد المديرين كان مسؤولا في إدارة الموسيقى بحرق كل التسجيلات لأنها في نظره تحمل رؤية استعمارية... ومنذ ذلك الوقت لا يوجد من الموسيقى الشعبية المغربية الا نسخة واحدة موجودة الآن في مكتبة الكونغرس في الولاياتالمتحدةالامريكية وفي مصر تصوّر ان الفنانة الكبيرة ام كلثوم لا يوجد لها اي حديث مصوّر في التلفزة؟! الفيلم الوثائقي غير مرغوب فيه في الوطن العربي لأنه يوثق للواقع ويحمل جانبا من الحقيقة وهذا ما يجعله مكروها او منبوذا.. *في اغلب اعمالك وآخرها «عندما تغني المرأة» الذي صورته في مصر هناك تركيز كبير على الموسيقى لماذا الموسيقى بالتحديد؟ بداياتي اشتغلت كثيرا على القضايا الاجتماعية ولكنني فيما بعد شعرت ان الفن يبقى هو الشيء الوحيد الخالد في حياة الشعوب والمجتمعات. والمتنبي وبيتهوفن وأم كلثوم... من هذه الرؤية قررت ان اتسلل الى عوالم الفن والفكر... انجزت افلاما عن «ماكس دوتش» الموسيقار النمساوي الشهير.. وفدوي طوقان ومحمد شكري واحمد السياري وبول بولز الكاتب الامريكي الشهير الذي كتب (Le thé au harem)... *ألم تفكر في انجاز افلام عن بعض الشخصيات الثقافية التونسية؟ بطبيعة الحال، ولكن اين الارشيف والوثائق؟! العمل الوثائقي يتطلب مراجع ووثائق وارشيف كبير اضافة الى كونه يتطلب عملا مجهدا. *من تتمنى انجاز فيلم وثائقي عن سيرته من بين الشخصيات المعروفة؟ الكاتب الكبير محمود المسعدي.. اتمنى ان انجز فيلما وثائقيا عن حياته قبل ان يرحل عنا.. *علمنا ان شريطك الجديد «عندما تغني المرأة» سيكون ضمن برنامج ايام قرطاج السينمائية؟ اتمنى ذلك ولو ان هذا العمل ليس الاول الذي اشارك به في مهرجان قرطاج... فقد شاركت في الدورتين السابقتين بشريطين واحد بعنوان «القاهرة الأم والابن» والآخر بعنوان «في زمن رمضان».