وزير الداخلية يتسلّم مهامه ويُكرّم سلفه    بمناسبة يوم افريقيا: وزير الخارجية يؤكد أن تونس تمثّل العمق الجيوسياسي لافريقيا وامتدادها الطبيعي والتاريخي والجغرافي والحضاري    السيرة الذاتية لوزير الشؤون الاجتماعية كمال المدّوري    المكتب الموحد التونسي للسيارات يطلق منصّة 'ميكارد' للإصدار الإلكتروني لبطاقات التأمين الدولية    جامعة وكالات الأسفار: 30 بالمائة من النزل ما تزال مغلقة    كأس فرنسا.. باريس سان جيرمان يحرز اللقب للمرة ال 15 في تاريخه على حساب ليون    الرابطة الافريقية لكرة السلة - الاتحاد المنستيري يواجه غدا ريفرز هوبرز النيجيري في الدور ربع النهائي    الاستعدادات لتنظيم الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل لوزيرة التربية    طقس اليوم: استقرار في درجات الحرارة    توزر: طائرة حجيج ولايتي توزر وقبلي تغادر مطار توزر نفطة الدولي في اتجاه المدينة المنورة    بينها الترجي.. 5 أندية عربية في كأس العالم للأندية بأمريكا    رئيس وزراء جورجيا يتهم رئيسة البلاد بالخيانة    «الشروق» تحصّلت على التفاصيل...غدا تصل بعثة «الفيفا» لحسم قضية الجامعة    في الصّميم: «مجد إفريقيا» برنامج تلفزي واعد رغم الهنات    أخبار النادي الصّفاقسي ...احتقان بسبب الرابطة وضغط على المسؤولين    5 أشهر سجنا في حقّ جوهر بن مبارك    في منطقة العامرة بصفاقس .. اشتباكات بين أفارقة تؤدّي الى مقتل أحدهم    الهند: مقتل 7 رضّع بحريق في مركز لرعاية الأطفال    نفّذوا «براكاجات» وسطْوًا مسلّحًا بين الكرم والمرسى وقرطاج: حملات أمنية والقبض على عصابات إجرامية خطيرة    بعد حادثة ضربها من متعهّد حفلات منذ سنتين: أماني السويسي في المهرجانات الصيفية مع الناصر القرواشي    قريبا على منصة «شاهد» هند صبري «زوجة صالحة» في «مفترق طرق»    المهرجان الدولي للفيلم القصير بمصر في نسخته الثالثة ...شريط «القلاّلين» لحسام صفر يُتوّج بجائزتي الصّورة والموسيقى    ب30 آلية عسكرية.. الاحتلال يقتحم مدينة جنين شمالي الضفة الغربية    أخبار المال والأعمال    مختصة في علم النفس توصي بضرورة تخفيف الضغط وتجنب كل ما من شأنه توتير أجواء المنزل خلال فترة الاعداد للامتحانات    مع الشروق .. استدامة المؤشرات الإيجابية    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري يفوز على الترجي الرياضي 1-0 ويحرز اللقب    كلفة تأجير الموارد البشرية في تونس تعد الاضعف مقارنة بنظيراتها وبالبلدان المتقدمة    " وزارة الشؤون الثقافية ستواصل ككل سنة دعم المهرجانات لكن دون اجحاف وفي حدود المعقول مع الحرص على ضمان التوازنات المالية للمهرجانات" (بوكثير في تصريح خاص بوات)    ندوة علمية حول ابن خلدون والأبعاد الكونية لكتاب "المقدّمة": ابن خلدون هو الأب العلمي والعقلي لعلم الاجتماع    "تونس مهد الفسيفساء والملتقى الدولي للفسيفساء بالحمامات تظاهرة ثقافية متميزة نحرص على ضمان استمراريتها ومزيد اثرائها وتطويرها" (المنصف بوكثير)    البنك المركزي :العائدات السياحية و عائدات العمل تغطي 68 بالمائة من خدمة الدين الخارجي إلى يوم 20 ماي 2024    تخصيص ميزانيات ضخمة للمهرجانات لجلب فنانين باسعار قياسية..المنصف بوكثير يوضّح    وزيرة التربية تُقيل مندوب تونس 1    صفاقس: الرفع في نسق العودة الطوعية للمهاجرين من دول جنوب الصحراء    سليانة: مندوبية الفلاحة تدعو الى إتخاذ جملة من التدابير اللازمة للتوقي من الحرائق    قبلي: توفر 6 آلاف اضحية بالأسواق وورشات التسمين و12 ألف رأس لدى العائلات    بسبب التدافع : اصابة محب للترجي في ساقه وتم نقله للمستشفى    اتصالات تونس تتوج لمجهوداتها في مجال الالتزام البيئي    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    لأول مرة في تونس: عملية استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار، عن طريق الأنف    زغوان: حجز بضائع مهربة فاقت قيمتها 360 ألف دينار    فلسطين تطالب بضرورة محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني    من بينها البطاطا المقلية: عادات غذائية تسرع من الشيخوخة..اخذروها..    هبوط اضطراري لطائرة رئيس وزارء هذه الدولة..#خبر_عاجل    معهد الفلك المصري يحدّد موعد أول أيام عيد الأضحى    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    الهلال السعودي يدخل موسوعة "غينيس" بأطول سلسلة انتصارات متتالية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك توحه نداء عاجل لرئيس الدولة..    ما علاقة استخدام الهواتف الذكية ومشاهدة التلفزيون بمرض السمنة لدى الأطفال؟    رئيس الدولة: مدير مؤسسة عمومية لديه 6 سيارات وظيفية ويسافر كل شهر    الطقس يوم السبت 25 ماي 2024    عاجل/ بعد قرار محكمة العدل الدولية: قوات الإحتلال تقصف رفح..    نجاح طبي جديد/ لأوّل مرّة في تونس: استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار عن طريق الأنف    رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي يوجّه هذه النصائح للتونسيين    تسع مدراس ابتدائية تشارك في الملتقى الجهوي للكورال بسيدي بوزيد    حُبّ أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: في السياسة والأخلاق!
نشر في الشروق يوم 16 - 06 - 2011

لو سُئِل التاريخ لقال إنّ السياسة ذات أخلاق «نسبيّة»، كي لا يقول إنّها في الأغلب «عديمة الأخلاق». وتاريخ القرن العشرين تحديدًا، وما تلاه، يحتفظ في سجلّه بالكثير من البراهين على ذلك. حتّى بات أحدنا لا ينادي بضرورة «تخليق السياسة» إلاّ أثار سخرية العارفين بحقائق الأمور!
على الرغم من ذلك ظلّت هذه المسألة تعود من حين إلى آخر على مرّ التاريخ. خاصّةً عن طريق انفجار الشعوب حين ينفد صبرها أمام الظلم والدجل والقهر والفساد والاستئثار بالثروة والسلطة والتلاعب بالقوانين والكيل بأكثر من مكيال وتحويل خدمة الناس إلى استعلاء على الناس.
وفي ذلك دليل على أنّ ردم الفجوة بين السياسة والأخلاق وليد حاجة بشريّة وليس ترفًا فكريّا أو سذاجة حالمة. وها هي مغامرات «برلسكوني» وقضيّة «دومينيك شتروس كان» تبعث هذا الجدل من جديد في أوروبّا وفي الغرب عمومًا.
يدور هذا الجدل في سياق تسونامي الثورات العربيّة. وهو لا يخلو في أحيان كثيرة من التلميح إلى أنّ لهذه الثورات موجات ارتداديّة ظهرت ملامحها بطريقةٍ مَا في شمال المتوسّط. ودليلهم على ذلك ما حدث في إسبانيا.
وعلى الرغم ممّا يفصل بين الشمال والجنوب من فوارق اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة، فإنّ الملاحظ لا يغفل عن وجود نقاط تشابه كثيرة، ليس أقلّها أنّ ثوراتنا قامت في جانبٍ أساسيّ منها ضدّ حلف الاستبداد والفساد، أي أنّها كانت من زاويةٍ مَا ثورات أخلاقيّة.
الخوض في علاقة الأخلاق بالسياسة مختلف طبعًا عن الجدل الفلسفيّ. للسياسة فكرها لكنّها ممارسةٌ أوّلاً وأخيرًا. وهي ممارسة مكانها الأرض، في فضاءات المُواطنة. وهذه الفضاءات تحدّد ملامحَها وقوانينَ العيش فيها الخياراتُ الحضاريّة الكبرى التي يحتكر إقرارها الساسة.
المشكلة أنّ أغلب الساسة اليوم على دين ماكيافيل. وهو ما يقرُّ به أغلب محلّلي السياسة العالميّة. وإذا كان ماكيافيل لم يلغ الأخلاق فإنّه اعتبرها خطرًا على النجاح السياسيّ! وإذا كان قد نصح الأمير بأنّ يتظاهر بامتلاك أخلاق، فإنّه حثّه على الاستعداد في كلّ لحظة للانقلاب على كلّ مبدإ أخلاقيّ يهدّد بقاءه في السلطة!
شيئًا فشيئًا طغت النزعة الماكيافيليّة على الممارسة السياسيّة حتى تشكّل نوع من الإجماع على أنّ السياسيّ الناجح هو السياسيّ الذي يتقن فنون الخداع! وكأنّ السياسيّ ماكيافيليّ بالضرورة! لا فرق في ذلك بين الطاغية وغير الطاغية، بين سياسيّ يتكلّم باسم نظام استبداديّ وآخر يرتدي قناع الديمقراطيّة أو يتكلّم باسم ثورةٍ من الثورات.
يقول بيار توريف ما معناه إنّ في وسع سياسيّ مُنتخب بشكل ديمقراطيّ أن يتقن لعبة الخداع حدّ إقناع ناخبيه بالموافقة على خيار غير أخلاقيّ. وإذا لم يخْلُ مجتمعٌ من الخداع مثلما لا تخلو حديقة من أعشاب طفيليّة، فإنّ وجود الشيء لا يعني القبول به. وهو ما تعلن عنه الانفجارات التي تصنع منها المجتمعات نوعًا من الطقس الجماعيّ للإطاحة بالمخادعين.
الدعوة إلى ممارسة سياسيّة متخلّقة تعني فيما تعني محو التناقض بين ما هو جزء من الحريّة الشخصيّة وما هو جزء من المسؤوليّة العامّة. وهي تعني فيما تعني ردم الفجوة بين الأخلاق الفرديّة التي هي مسألة شخصيّة، والقيم الاجتماعيّة التي تمثّل رصيدًا مشتركًا لابدّ منه لتأمين العيش معًا.
المشكلة أنّ من الصعب التواضع على قِيَمِ العيش معًا، من جهة، بينما فضاءات المُواطنة من الجهة الأخرى، بداية من المدرسة والأسرة مرورًا بوسائل الإعلام وصولاً إلى فضاءات العمل المدني والسياسيّ والثقافيّ، يحكمها فكرٌ سائد قوامُه: أنّ المصلحة الفرديّة أو الفئويّة غاية مقدّسة يهون في سبيلها كلّ شيء، وأنّ الحياة نفسها موضوع تنافس يستحقّ كسبُه التضحية بكلّ شيء حتى بحياة الآخر!
ذلك هو واقع النظام الرأسماليّ العالميّ المتوحّش الذي بلغ حدّه وفق أغلب مفكّريه. وأصبح تربة خصبة لقتل المعنى لا في السياسة فحسب بل في كلّ مظاهر الحياة البشريّة. لذلك أصبحت إعادة الأخلاق إلى السياسة مطلبًا عالميًّا اليوم.
وهي مطلبٌ عاجل في بلادنا في هذه المرحلة الثوريّة الحاسمة، لأنّها شرط من شروط بناء الثقة. من ثمّ ضرورة أن يبتعد سياسيّونا عن كلّ ما يذكّر باللاأخلاق القديمة، كبرهان فعليّ على الخروج من النظام القديم وثقافته. ثقافة الخداع والمزايدة ودغدغة العواطف للابتزاز والإقصاء.
إلاّ أنّ إعادة الأخلاق إلى السياسة لا معنى لها خارج سياق المجتمع ككلّ. فليس من أخلاق فرديّة دون أخلاق اجتماعيّة. ولا سبيل إلى إعادة الأخلاق إلى المجتمع دون تغيير شروط الحياة في هذا المجتمع. أي دون تغيير الظروف الماديّة ومن ثمّ المعنويّة التي يستمدّ منها الناس أخلاقهم.
عندئذ وعندئذ فحسب، تصبح الأخلاق جزءًا لا يتجزّأ من الممارسة السياسيّة، وشرطًا من شروط تحقّق الحريّة والكرامة والعدل والمساواة والسعادة، لا مجرّد أقنعة لقضاء الحاجة وتدبير الرأس وتدوير الدولاب! ولا مجرّد كوابح لمنع العبد من التمرّد على النخّاس أو لمنع المسروق من الوثوب على سارقه أو لمنع ضحيّة الاستغلال من التمرّد على مُستَغِلّه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.