كل سكان البادية يعرفون أنه إذا تكاثر للكلاب نباح فإنّ في الساحة تحوم خيانة أو مضرّة كأن يكون في الأمر كلب سائب أو ذئب مغامر أو ثعلب ماكر أو لص خائن أو دابة من دواب الحي قطعت رباطها أو شيء من هذا القبيل فتأخذهم اليقظة ويتسلحون بالاحتياط لحماية ما اكتسبوا من عرق الجبين من أي مكروه. ومع ذلك فهم يعرفون ويدركون ويؤمنون بأنه إذا نبحت الكلاب فلغاية في نفس الكلاب وبأن «كثرة نبيح الكلب على روحو» أي لفائدته هكذا يقولون وتلك غريزة الكلاب عندهم. حتى أنهم إذا استمعوا لمن يكثر الحديث عن نفسه ولغاية في نفس يعقوب سموا حديثه نباحا. وقالوا لصاحبه «أقعد أنبح» وتركوه وذهب كل واحد في حاله يسعى ويكد. وعزاؤه في قول أهل القول: «القافلة تسير دع الكلاب تنبح» ولكن هل مازال نباح الكلاب لا يوقف القافلة عن المسير؟ آه لو كانوا يعرفون أن كلابنا لم تعد وحدها في الساحة وإنما اختلطت بشتى أنواع الكلاب من الشرق القريب والغرب البعيد فيها «السلوقي» الفرعوني وفيها «البيت بول» و«البول دوغ» و«الروت فايلر» وفيها المهجن من الدببة وفيها «شيان لو» وفيها «الدالمسيان» وكلها من الوزن الثقيل وفيها ما خف وزنه من شتى أنواع «الكانيش» وكلها تأكل مآكل الملوك والأمراء وتعيش عيشهم. وهي ما قيل في شأنها الأجداد «تعيش الكلاب في روس المجانين»، ولهذه الكلاب رتب ولعل آخرها ذلك الكلب الذي أقاموا له احتفالا «ناتويا» (نسبة للناتو) ورقوه الى رتبة جينيرال في العراق. آه لو كانوا يعرفون أن هذه الكلاب متخرجة من أشهر كليات الاستخبارات الغربية ومدربة على شمّ ماهو خفي من المتفجرات والهلوسة وما في الصدور وما في النفوس. وما في القلوب وما في الرؤوس وأنها تعضّ وتغدر ولا تنبح وأنها إذا نبحت لا تتوقف القافلة. وإنما الحياة برمتها على عتبة الجحيم عندها فقط تسكت وتبقى الكلاب المحلية تنبح بالنيابة، آه لو كانوا يعرفون أن من صنعوا ألغاما تتفجر عن بعد صنعوا كلابا تنبح عن بعد. آه لو كانوا يعرفون تكنولوجيا الكلاب في توقيف القوافل إذا شمّت وإذا غدرت وإذا نبحت بالنيابة عن بعد.