بعد ثلاثة اشهر من تسلم الحكومة العراقية المعينة ما سمي بالسلطة في العراق، مازال مفهوم «السيادة» يثير قلقا لدى هذه الحكومة في المستوى التنفيذي للكلمة، وقد بدا ذلك جليا من خلال التضارب الواضح بين تصريحات «المسؤولين» العراقيين والمسؤولين في سلطات الاحتلال الامريكي حول شؤون العراق الداخلية والتسليم اخيرا بصحة ما يقره الامريكيون. فقد اعلنت وزارة العدل العراقية ان اطلاق سراح العالمة العراقية رحاب طه بات وشيكا، وتحدث الناطق باسم الوزارة بفخر عن «موقف» الحكومة وهو عدم التفاوض مع من اسماهم بالارهابيين في إشارة الى الدكتورة هدى عماش المعتقلة لدى سلطات الاحتلال والتي زعم انها مازالت تمثل «تهديدا للامن القومي العراقي» لكن متحدثا باسم السفارة الامريكية في العراق نفى ان تكون هناك نية لاطلاق سراح اي من السجينتين (المعلن عنهما) وهو ما ايده رئيس الوزراء العراقي المعيّن اياد علاوي في ما بعد. ويؤكد هذا الاقرار ان سلطة السجون كغيرها من السلط لا تزال بيد قوات الاحتلال وان الكلمة العليا لها. وليست هذه المرة الاولى التي تتضارب فيها تصريحات مسؤولين عراقيين وخاصة من وزارات «السيادة كالدفاع والعدل والداخلية مع تصريحات مسؤولين في سلطة الاحتلال، فقد سبق ان سارعت مصادر في وزارة الداخلية العراقية مطلع الشهر الجاري الى «زف بشرى» اعتقال نائب رئيس قيادة مجلس الثورة عزت ابراهيم قبل ان تتجاهل سلطات الاحتلال الأمريكي الامر وتنفيه تماما. ويكشف هذا التضارب حقيقة باتت جلية وهي ان الحكومة العراقية المعينة لم تدرك حتى الآن حدودها وصلاحياتها وعجزت عن صياغة موقف لها حر ومستقل مما يجري في العراق، وهذا ما يزيد في حجم عزلتها ويؤكد ما ذهب اليه محللون من ان سلطتها لا تتعدى حدود «المنطقة الخضراء» المتحصنة داخلها. وأيا كانت خلفية نفي المسؤولين الامريكيين خبر الافراج عن الدكتورة رحاب طه فإن الرسالة الموجهة الى الحكومة العراقية المنصبة واضحة ومفادها ان لا سيادة لها ولا موقف ما دام الاحتلال قائما وما دامت الولاياتالمتحدة قد قررت تركيز اكبر سفارة لها في بغداد لتأبيد الاحتلال والدوس على سيادة العراقيين. وانما تثير كل هذه اللخبطة التساؤل الاهم بعد عام ونصف من الغزو : من يحكم العراق بعد عملية ما سمي بنقل السلطة الى العراقيين؟ والاجابة تأتي سريعا على ألسنة المتحدثين باسم السفارة الامريكية ببغداد ممن لا يترددون في تكذيب تصريحات المسؤولين العراقيين وتهميشهاوتجريدها من اية مسؤولية وحجب صفة المصداقية عنها. على ان المخجل في الامر ان أصحاب النفوس المريضة مازالوا مصرين على اعتبار موعد جوان الماضي يوما فصلا في تاريخ العراق ومنطلقا لنيل السيادة وممارسة السلطة وما يغالطون في ذلك أحدا ولكن أنفسهم يغالطون.