من الفئات المهنية التي طالتها بشكل لافت هجرة الكفاءات فئة الأطبّاء الذين تستقطبهم بالأخصّ بلدان كفرنسا وألمانيا ودول الخليج. وما فتئت هذه الظاهرة في تنام منذ سنة 2011 حيث يفضّل مئات الأطبّاء العمل بالخارج على البقاء في تونس. ولا يقتصر الأمر على الأطبّاء الشبّان بل إنّ رؤساء أقسام في مستشفيات عموميّة وأساتذة في الطبّ يؤثرون هم أيضا البحث عن أفق مهنّي أفضل في هذه البلدان. ولعلّ من أهمّ المؤشّرات لهذه الظّاهرة المتفاقمة مشاركة العديد من الأطبّاء التونسيين من مختلف الاختصاصات كلّ سنة في مناظرة معادلة الشّهادات ومراقبة المعارف بفرنسا، والتي يستأثر فيها التونسيون بأوفر نسب النّجاح. ففي مناظرة سنة 2017 نجح أكثر من 240 طبيبا تونسيّا من بين مجموع الفائزين وعددهم 494 طبيبا في كلّ الاختصاصات. وقد أدرك نجاح التونسيين نسبا عالية في عدد من الاختصاصات (88 بالمائة في طبّ القلب والشرايين و86 بالمائة في التّصوير الطبّي و80 بالمائة في الإنعاش الطبي). ما هي أسباب هذا النّزيف المتواصل الذي يشكلّ أكبر خطر تواجهه المنظومة الصحيّة في تونس؟ وكيف السبيل إلى الحدّ منه حتّى تحافظ البلاد على خيرة كفاءاتها الطبية ولا تضطرّ يوما إلى اللجوء إلى خدمات أطبّاء أجانب في عدد من الاختصاصات؟ هذا السؤال أجابتنا عليه الدكتورة حبيبة الميزوني الكاتبة العامة لنقابة الأطباء في القطاع العمومي, حيث بينت أن هجرة الأطباء تعتبر نزيفا سينخر منظومة الصحة العمومية خاصة وأن الأطباء الشبان يقبلون على الهجرة بنسبة تتراوح بين 70 و80 بالمائة, وهذا الأمر له تداعياته الخطيرة خاصة على الاختصاصات الحيوية كالتخدير والانعاش والجراحة. وهو ما لاحظناه في جل المستشفيات العمومية سواء كانت في المناطق الداخلية أو الساحلية التي أصبحت متساوية في الأوضاع الكارثية للمستشفيات العمومية. وأما الحلول لوقف نزيف هجرة الأطباء فتقول الدكتور حبيبة ميزوني يجب أن تكون جدية وبمشاركة الجميع وبوضع استراتيجية جيدة للنهوض بواقع المؤسسات الاستشفائية العمومية وتحسين الاوضاع المادية والاجتماعية للأطباء, فالطبيب التونسي الذي يهاجر إلى الخارج يكسب في اليوم الواحد ما يكسبه خلال شهر في تونس.