يبدو ان حالة المرض التي أصابت منذ عديد السنوات المنظومة الصحية العمومية اصبحت مزمنة ومستعصية وتشكو من اختلالات جوهرية وعميقة لا يعرف مدى انعكاساتها الا اهل المهنة والاختصاص وخاصة منهم الاطباء وأطباء الاسنان والصيادلة الاستشفائيون الجامعيون وذلك بحكم تنوع الادوار التي يؤدونها من حيث أنهم أطباء ممارسون في المستشفيات والاقسام الجامعية وأساتذة مكونون ومؤطرون للطلبة والاطباء المقيمين والاطباء الداخليين والاطار شبه الطبي ومن حيث انهم باحثون في الكليات ومخابر البحث العلمي. كيف يرى هؤلاء الاطباء الواقع الصحي ببلادنا وماذا يطرحون على أنفسهم كطرف فاعل ومسؤول في ارساء منظومة صحية عمومية جيدة عادلة وشاملة؟ «الشعب» حاورت عددا من اعضاء النقابة العامة للأطباء وأطباء الاسنان والصيادلة الاستشفائيين الجامعيين من بينهم الأخت الدكتورة حبيبة الميزوني الكاتبة العامة للنقابة العامة والأخ والاخوات الدكاترة نبيل التريكي وعواطف الشرياق وألفة الكعباشي اعضاء النقابة العامة. • منظومة تشكو أمراضا مزمنة ترى الاخت حبيبة ان أوكد المهام المطروحة على القطاع في الظرف الراهن هي الدفاع عن القطاع العمومية للصحة وتحسين الخدمات المسداة للمواطن والدفاع على جودة التدريس والتعليم الطبي وذلك في علاقة متلازمة مع النضال من اجل تحسين ظروف العاملين بالقطاع وتحقيق استحقاقاتهم المادية والمهنية. وتضيف الدكتورة حبيبة الميزوني ان هذا التلازم هو نتاج لتراكم سياسات متعاقبة لم تزد المنظومة الصحية العمومية الا مرضا والمرض بات مزمنا بفعل التغافل على الاختلالات المفرزة في عدة مستويات ذكرت منها بالخصوص عدم التوازن بين الجهات والسير بسرعتين متفاوتتين بين القطاع العام والقطاع الخاص حيث ترى ان المستشفى العمومي يشكو نقائص كبيرة في التجهيزات والمعدات ويشكو من طرق تصرف بالية فاقمت من صعوبة أداء الطبيب لمهامه مما خلق في صفوف الاطباء الاستشفائيين الجامعيين حالات من الاستقالات والتوجه نحو العمل بالقطاع الخاص كما أوجد لدى الاطباء الشبان عزوفا على الاقبال على المسار الطبي الجامعي العمومي اذ نلاحظ ان عدد المترشحين لسد الشغورات الحاصلة أقل بكثير من عدد الوظائف المقترحة خاصة على مستوى طب الاختصاص في الجهات الداخلية. وتحدثت الدكتورة عن قلة توفر الامكانيات والمعدات المادية والبشرية مما أفرز ظروف عمل متدنية نتجت عنها بالضرورة خدمات غير جيدة ولا ترقى الى مستوى ما يطمح اليه المواطن وبالتالي ليس من المستغرب أن نرى حالات من التشنج والاحتقان والعنف الذي يتطور أحيانا الى عنف مادي وخاصة ما برز منه خلال الثورة حيث شهدت المؤسسة الصحية انفلاتا أمنيا وهو ما يدعو الى بحث آليات لتأمين سلامة الاطار الطبي وشبه الطبي وخاصة على مستوى عدة أقسام منها أقسام الاستعجالي وبينت في هذا السياق ان احد الاطباء في قسم الاستعجالي بمستشفى بنزرت تعرض خلال القيام بواجبه الى عملية تعنيف من طرف مواطن خلفت له اصابات حتمت استشفاءه بقسم الانعاش. • إغراءات القطاع الخاص عامل تهجير وعزوف للكفاءات من القطاع العام وفي سياق المعادلة بين اصلاح القطاع العام ودعم التوجه نحو القطاع الخاص أ وضحت الدكتورة عواطف الشرياق عضوة النقابة العامة ان التخلي عن دور القطاع العام مازال اتجاها قائما رغم تطمينات الوزارة التي لمسناها خلال مفاوضاتنا معها ورغم تصريحات الوزير نفسه لكن الواقع هو خلاف ذلك حيث تؤكد عديد المؤشرات ان هناك مشاريع ميدانية متواصلة للاستثمار في القطاع الصحي الخاص وترى ان الامر خطير جدا لما يمكن ان يسببه من تهجير واغراء للكفاءات العاملة بالمستشفيات الجامعية العمومية فضلا على استنزاف مال المجموعة الوطنية عبر الصندوق الوطني للتأمين على المرض الذي يسدي قرابة 80٪ من ميزانيته لفائدة القطاع الخاص والحال ان اكثر من 70٪ من المنتفعين اختاروا المنظومة العمومية لذلك مازالنا نقف كطرف رئيسي واساسي في المنظومة الصحية مدافعين عن ديمومة القطاع العام ملاذنا الوحيد ان كنا بحق نعمل جميعا على توفير الصحة للجميع بمواصفات تكفل العلاج الجيد للجميع على قاعدة العدالة والتوازن الجهوي وعلى قاعدة ان لا يتجاوز دور القطاع الخاص دور القطاع العمومي باعتباره الاصل في كل سياسة صحية. • بنية غير مطابقة للمعايير والمواصفات الدولية وتحدث الدكتور نبيل التريكي عضو النقابة العامة عن المواصفات التي يمكن ان تغطي البنية التحتية لمستشفياتنا سواء منها الجامعية او الجهوية والمحلية مؤكدا على ضرورة مواءمتها بالمواصفات العالمية والمعايير الدولية التي تصل بالنهاية الى بناء مرافق عمومية توفر لكل طرف الظروف الطبيعية والمريحة وتؤمن سلامة كل متدخل سواء عامل او مريض وتجعل من القطاع العام مرفقا حيويا واساسيا لا يمكن افتكاك اشعاعه وريادته من طرف القطاع الخاص. • من هنا تبدأ العدالة الاجتماعية أما الدكتورة ألفة الكعباشي عضوة النقابة العامة فتحدثت عن اصلاح المنظومة العمومية للصحة عبر التأكيد على ضرورة تأهيل المستشفى العمومي باعتماد مواصفات مدروسة وملزمة للادارة من شأنها توفير الظروف المهنية المريحة لمساعدة الطبيب على القيام بواجبه ورأت ضرورة اعادة النظر في حوكمة التصرف بطرق شفافة تضمن ادماج الاطار الطبي في التصرف وتدعم التصرف الذاتي للمستشفيات وأكدت على ضرورة اعادة النظر في منظومة التمويل للمستشفيات خاصة على مستوى التعامل مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض كما تمسكت بضرورة اعادة الاعتبار للاطار الطبي وشبه الطبي بما يخول لهم القيام بمهامهم والارتقاء بها الى مستوى طموح المواطن في ظروف طبيعية وعادية ورأت في باب اصلاح المنظومة العمومية ضرورة توفير موازنات مالية لتشجيع البحث العلمي في المستشفيات ردا لإعتبار الطب التونسي على المستوى الوطني والاقليمي والدولي وتطلعت الى ضرورة احداث توازنات بين الخارطة الصحية ومشاريع التنمية الصحية في الجهات بما يكفل العدالة بين كل الهياكل والجهات ويؤمن علاجا جيدا لكل المواطنين مضيفة تأكيدها ان العدالة الصحية هي المدحل الاساسي والرئيسي للعدالة الاجتماعية.