بنيت طريقة الشاشي والبزدوي في الاصول على تقرير القواعد التي قررها الامام الشافعي في « الرسالة « تقريبا بين ما يقول به الشافعي ويسير عليه كما هو في كتاب القفال وما لا يقول به الشافعي مما يخالف فيه ابا حنيفة واصحابه كما هو في كتب البزدوي . فتاثر علم اصول الفقه في القرن الرابع تاثرا جديدا بالروح الجدلية وظهر عليها ظهورا بينا في كتب الاصول التي اولها كتاب القفال وكتاب البزدوي . وكانت روح الجدل شائعة بالخصوص في هذا القرن الرابع بين المذهبين الحنفي والشافعي لاسباب كثيرة اقتضت ذلك ، منها الفقهي ومنها الاعتقادي ومنها الاجتماعي ومنها السياسي وتظهر بصورة واضحة في الازدحام الاقليمي الذي كان بين المذهبين الحنفي والشافعي حيث ان المذهب الحنفي نشأ في العراق وامتد اولا الى البلاد الايرانية والى آسيا الوسطى الى بلاد ما وراء النهر . وكان المذهب الشافعي مذهبا مصريا . فاذا بالمذهب الشافعي يقتحم على المذهب الحنفي اقليمه في العراق وايران وآسيا الوسطى فيتكون من ذلك ازدحام الجدل الذي انتهى الى درجات غير مرغوب فيها بلغت الى حد من الاسفاف لا يشرف مقام الفقهاء في القرن الخامس . فعقب هذا الاصطباغ الجديد الذي اصطبغ به اصول الفقه بتأثر علم الجدل ، وانتهى به الامر الى ما انتهى به لكثير من الفقهاء ، الى الاسفاف في المقالات الجدلية ، كما اشتهر ذلك في قضية صلاة القفال المشهورة ، وكما عرف ذلك في ترجمة الامام ابي اسحاق الشيرازي حتى قيل في الكلمة المشهورة التي تندر بها الفقهاء « لو اصطلح ابو حنيفة والشافعي لذهب علم ابي اسحاق الشيرازي « . فظهر القاضي ابو بكر الباقلاني الذي هو فقيه مالكي نشأ نشأة كلامية على الطرية الاشعرية . واتجه الى علم اصول الفقه اتجاها جديدا اراد ان يبرز به علم اصول الفقه في صورة ، كما نقول الان موضوعية منهجية . واراد ان يبعد به عن المسارعة الى الجدل الفرعي وان يقتصر فيه على تقرير النظريات الاصولية وعلى بيان القواعد الاصولية وشرحها ، وعلى بيان الاراء المختلفة فيها ومناقشتها على الطريقة المنهجية الموضوعية . ووضع على ذلك كتابه الجليل كتاب « التقرير والارشاد « . وقي هذا الكتاب ابرز الباقلاني علم الاصول ابرازا حقيقيا كان له صداه فيما بين المذهبين المتقاربين اللذين يزداد تقاربهما يوما فيوما في هذا المجال الاصولي ، وهما المذهب المالكي والمذهب الشافعي . فتأثرت بهذه الطريقة مناهج النظر والبحث في علم اصول الفقه ونشأ عليها العلامة عبد الملك الجويني امام الحرمين في القرن الخامس . فالف كتابه الشهير الذائع الصيت المسمى « البرهان « . وسلك فيه مسلك الباقلاني في تقرير النظريات وتقعيد القواعد وبيان المعاني والمآخذ . الا انه زاد على الباقلاني افاضة مطردة في الاستدلال واقامة الحجة على صواب النظر الذي يميل هو اليه ، وهو الذي اصله الامام الشافعي في رسالة الاصول . فاطنب في اقامة البراهين على حجية ما يرى الشافعية حجيته وعلى عدم حجية ما لا يرى الشافعية حجيته . وذلك ما يشير اليه اشارة واضحة اسم الكتاب حيث سماه « البرهان « . فاذا كان الباقلاني ينظر الى الايضاح والى التقريب فيمسي كتابه « التقريب والارشاد « فان امام الحرمين كان ينظر اكثر الى الاستدلال والمناقشة ولذلك سمى كتابه « البرهان « . ومن هذا الكتاب الذي يعتبر اثرا مشتركا بين المالكية والشافعية لانه من وضع فقيه شافعي ، وهو امام الحرمين متاثرا بوضع فقيه مالكي وهو ابو بكر الباقلاني باجتماع هذين الكتابين وببروزهما معا متأثرا ثانيهما بالاول متسلسلا احدهما من الاخر في كتاب « البرهان « قام علم الاصول على منهج مشترك جامع بين المالكية والشافعية . فتسلسلت السلسلتان من كتب اصول الفقه المتقاربة المناهج المشتركة المأخذ التي تبدو من طرف الشافعية في الغزالي والرازي والامدي والبيضاوي والعضد ، وتبدو من طرف المالكية في المازري ، والباجي وابن الحاجب والقرافي والسبكي .فالفرع الشافعي ابتدأ بالغزالي الذي هو اشهر تلاميذ امام الحرمين واتمهم قياما على علمه واكملهم خلفية له في رئاسته الكلامية والاصولية والفقهية . يتبع