انقلبت الحصانة البرلمانية في تونس من وسيلة تُمكّن النواب من القيام بمهامهم بمعزل عن أي ضغوط خارجية، إلى وسيلة لاخفاء فساد بعضهم وتهربهم من تحمل المسؤولية الجزائية والتغطية على ممارسات السمسرة والانتهازية السياسية. تونس -الشروق - الحصانة البرلمانية، حق أريد به باطل فهي الية قانونية يتم اعتمادها في كل دول العالم لحماية النواب من التتبعات القضائية في قضايا لها علاقة بمهامهم النيابية ، والهدف منها تيسير مهمة النائب وقطع الطريق أمام أي محاولة لعرقتله وإثناء عن دوره النيابي للشعب . هذه الالية تحولت مؤخرا إلى درع يقي عدد من النواب من الملاحقات القضائية في قضايا لا علاقة لها بعملهم النيابي. الحصانة تم تضمين الحصانة البرلمانية في الدستور التونسي ،بعد الاطلاع على عديد التجارب المقارنة التي تعتمد على هذا المبدإ في تحصين عدد من المسؤولين على رأسهم النواب ، وتم التنصيص على الحصانة في الفصل 68 والذي أقر بأنه لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضدّ عضو بمجلس نواب الشعب، أو إيقافه، أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها، أو أعمال يقوم بها، في ارتباط بمهامه النيابية. اضافة الى الفصل 69 الذي ينص على أنه «إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة.أما في حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه، ويُعلَم رئيس المجلس حالا على أن ينتهي الإيقاف إذا طلب مكتب المجلس ذلك.». الاعتصام بالحصانة هذان الفصلان تم تفصيلهما في النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب بباب كامل أطّر ملف الحصانة من كل الجوانب ، حيث ينص الفصل 28 على أن «يتمتع عضو مجلس نواب الشعب بالحصانة طبقا لأحكام الفصل 68 من الدستور.ويمكن للنائب المعني عدم الاعتصام بالحصانة» وهو ما يؤكّد أن هذه الحصانة ليست معطى حتميّا وملاصقا لحركة النائب بل يمكنه التخلي عنها. أما باقي فصول باب الحصانة في النظام الداخلي للبرلمان فتنص على الاليات التي يتم اعتمادها وأهمها طرح ملف رفع الحصانة على اللجنة البرلمانية المختصة ويكون طلب رفع الحصانة مرفقا بملف القضية إلى رئيس مجلس نواب الشعب.ويتولّى رئيس المجلس إعلام العضو المعني وإحالة الطلب ومرفقاته إلى اللجنة ، التي تتولّى دراسته والاستماع إلى العضو المعني الذي يمكنه إنابة أحد زملائه من الأعضاء لإبلاغ رأيه أمام اللّجنة. توتر وحرب كلامية ترسانة فصول حصّنت النواب بشكل مُحكم جعلهم بمنأى عن التتبعات القانونية بالرغم من كثرة الحديث عن تفاقم الفساد في صفوف النواب ،حتى ان نواب انفسهم اصبحوا يطالبون برفع الحصانة عن زملائهم بسبب تشويه صورة البرلمان وحالة التململ التي يعيشها الراي العام التونسي من تفشي هذه الظاهرة السلبية في المؤسسة التشريعية. هذا الملف تحوّل الى حرب كلامية وتبادل للاتهامات داخل البرلمان وخارجه، فالناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي سفيان السليطي قال في تصريح اعلامي يوم 2 ماي 2018، إن القطب القضائي المالي وجّه طلبا برفع الحصانة على عدد من النواب تتعلّق بهم شبهات فساد ولم يتمّ الاستجابة لهذا الطلب من قبل مجلس النواب. البرلمان أجاب عن تصريح السليطي ببيان أكّد فيه أن جلسة عامّة انعقدت بتاريخ 7 فيفري 2017 انتهت إلى وجود خلل إجرائي في طلبات رفع الحصانة المعروضة على المجلس، يتمثّل في خلوّ الملفات مما يثبت عرضها على النواب المعنيين لتبيّن رغبتهم في التمسّك بالحصانة من عدمه. البرلمان شدّد في بيانه على أنّه لم يتلق أي مراسلة من الجهات المعنية في تصحيح الاجراءات المذكورة. وقد اعتمدت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والانتخابية نفس المنهج في سياق دراستها لملف آخر لرفع الحصانة عن نائب، ورد عليها بعد الجلسة العامة المذكورة". وهو الملف الذي نهتمّ به في هذا المقال. تستر البرلمان على القائمة تستّر البرلمان على قائمة النواب الذين قدمت وزارة العدل طلب رفع الحصانة عنهم احدث ردود فعل مستنكرة ،حيث طالب عدد من النواب بحقهم في النفاذ للقائمة بمقتضى قانون النفاذ للمعلومات ، وطالبت هيئة النفاذ للمعلومة بضرورة تمكين الراغبين في الحصول على القائمة من المعطيات المتعلقة بها مشيرة الى ان اعادتها الى القضاء بسبب أخطاء شكلية لا يعني غياب المعلومة المطلوبة. الهيئة اعتبرت ان نشر القائمة الاسمية للنواب الذين وردت بشانهم مطالب رفع الحصانة ليس من شانه المساس بالمعطيات الشخصية لهؤلاء النواب ولا بحياتهم الخاصة واعتبرت ان المعلومات المتعلقة بالحصانة هي معلومات تهم المواطنين ومنظمات المجتمع المدني. جلسة وحيدة لرفع الحصانة عقد مجلس نواب الشعب في فيفري 2017 جلسة عامة للنظر في طلبات رفع الحصانة وكانت لجنة النظام الداخلي، قد أوصت في تقريرها ، برفع الحصانة عن أربعة نواب، وهم الرّاحل عبادة الكافي (كتلة الحرة لحركة مشروع تونس ) وكلثوم بدر الدين (كتلة حركة النهضة) والطاهر بطيخ (كتلة نداء نوس) ولطفي علي (حزب المبادرة، الكتلة الديمقراطية)، وذلك من بين 8 ملفات لرفع الحصانة وردت على اللجنة منذ شهر أكتوبر 2016.كما طلب أربعة نواب وهم شاكر العيادي وأنس الحطاب ومنصف السلامي (عن كتلة حركة نداء تونس) وحافظ الزواري (كتلة آفاق تونس) بعدم رفع الحصانة عنهم.. أضيفت لهم أسماء أخرى في سنة 2018 مثل سفيان طوبال . طوبال ينفي نفى رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال في شهر نوفمبر 2018 ورود أي مطلب لرفع الحصانة عن عدد من نواب نداء تونس ،مشددا على أنه لم يقع التحقيق مع أي نائب في القطب القضائي المالي . لم ترفع الحصانة عن أي نائب منذ بداية عمل المجلس التاسيسي والى غاية الان لم يتم رفع الحصانة عن أي نائب لا من نواب المجلس التاسيسي ولا من نواب البرلمان الحالي بالرغم من توتر طلبات رفع الحصانة على المؤسسة التشريعية .