تجري اليوم وقائع الانتخابات التشريعيّة التي ستصعّدُ مجلس نواب الخماسيّة القادمة. ورغم أجواء الشحن المتبادلة وما يُبديه البعض من مخاوف فإنّ الآمال ستبقى معقودة على صوت الحكمة والتعقّل في أن تجتاز بلادنا هذه المحطّة بسلام ويتفرّغ الجميع بعدها لجهد التنمية وخدمة شؤون الناس ورفع ما يحوط بهم من ضغوطات وصعوبات وتحقيق تطلعاتهم في العيش الكريم والمستقبل الأفضل. ولم يُجانب محمد النّاصر رئيس الجمهورية في كلمته الأخيرة للشعب عندما دعا مختلف الفرقاء السياسيّين والأحزاب إلى أن يُتركوا مجالا للصلح في ما بينهم تأمينا للوحدة الوطنيّة. تونس اليوم تحت أنظار العالم. وهي تخطّ مشهدا جديدا في مسيرتها نحو التأسيس الديمقراطي وفضٍّ نهائي لمعضلة الصراع على السلطة التي مازالت تقضم الكثير من الوقت والجهد لدى العديد من المجتمعات والشعوب وسببا في حروب دامية ونزاعات لا حدّ لها. ولا شكّ في أنّ مسار التأسيس لم يكن سهلا. بل عجّ بالصعاب والمشاق. وعرف الكثير من المنعرجات. ولكن التونسيّين اليوم أحرار في اختيار من يحكمهم وتصعيد القيادات والأحزاب التي يرونها الأقدر والأجدر على إدارة شؤون البلاد. نسمعُ اليوم خطابات شيطنة وصراخ واتهامات من هذا الجانب ومن ذاك، الى الدرجة التي يبدو فيها للبعض أنّ الصدام العنيف وشيك والبلاد في طريق الضياع وأنّ الدولة ستنهار وأنّ الخراب قادم لا محالة. ولكن بداية من مساء اليوم الأحد ومع غلق مكاتب الاقتراع وبدء فرز الأصوات فإعلان النتائج ستهدأ الأجواء. وسيستفيق الجميع على حقائق الصندوق مهما كانت مآلاتها. وهي حقائق لا رادّ لها لأنّها تعبير عن إرادة شعبيّة. وأشرفت عليها هيئة وطنية مستقلة. وراقبها الآلاف من المراقبين والملاحظين المحليين والأجانب. الخطابات الحادّة، التي قد تنفلت في الكثير من الأحيان عن عقال المنطق والعقل، ليست سوى أسلحة استنفار في سياق معركة لفت الانتباه وتعبئة المناصرين كسبا للأصوات ورغبة في تحقيق الفوز. سبق لبلادنا أن شهدت منافسات انتخابيّة عديدة. وانطبع جلّها بمثيل تلك الأجواء وتلك الخطابات. ولكن في النهاية لم تحصل أيّة كوارث ولا صدامات. وواصلت الحياة الوطنية اشتغالها بنواميس التهدئة والتفاهمات والتنازلات وجهود الحوار الوطني الشامل وتقريب وجهات النظر حماية للبلاد من مخاطر الذهاب إلى المجهول. فالكل يعلم حدود تحرّكه وحدود إمكانياته. ومن مزايا الدستور، على ما فيه من هنات ونقائص، أنّه منع انفراد طرف وحيد بمقاليد الحكم. الوحدة الوطنيّة وتكريس مبادئ العيش المدني والحضاري واستنهاض المشتركات الجامعة والموحّدة لكلّ الطيف السياسي والفكري والجمعياتي، قيمٌ غالية لا تُقدّر بثمن، منغرسةٌ في وجدان التونسيّين، حيّةٌ فيهم جميعا دون استثناء. وهي بمثابة الخط الأحمر أو خط النار الَّذِي سيكتوي به فعليا من يحاول تخطّيه أو تجاوزه تحت أي عنوان.