أيقظتني ذات صباح خيوط الشمس المتسللة عبر نافذة غرفتي، وزقزق عصفور صغير معلنا لي قدوم أحد أمام منزلي... ارتديت ثيابي وكلي لهفة وشوق لمعرفة هذا الزائر الصباحي الغريب الذي فاجأني باكرا... وما كادت قدماي تلامس رصيف الشارع، حتى بهرتني عربة فضية مزركشة بالالوان المخملية الساحرة، ومرصعة بالاحجار الكريمة النادرة وكأنها عربة ملوك... وكانت تجرها ستة خيول بيضاء غاية في الاصالة والجمال والاناقة بشعرها الحريري الطويل وكأنه ينافس السحاب وخيوط الفجر. فتحت باب العربة بخفة وحذر... فوجدتها لا تقل جمالا وسحرا على زخرفتها الخارجية... أخذت بسحر هذا الجمال البرجوازي الفخم، وهذا الاتقان والجودة في الزخرفة والالوان، فلم أقدر على مقاومة امتطائها وما كدت أفعل... حتى طارت بي الخيول الستة بسرعة البراق وكأنها تسابق الزمن عبر العصور... سرعتها أفقدتني القدرة على المقاومة... كانت أفكاري تتصارع بانفعال وذهول وسعادة... سعادة تجل عن الوصف وشعوري بأني الملكة المصرية «كيلوبترا» أو الاميرة الفينيقية «عليسة». لا أدري ما أصابني... أو كم من وقت مضى عليّ والعربة تسابق الرياح عاليا فوق مدينتي؟... بدأت الاشياء تختفي تدريجيا حتى وجدت نفسي في طريق جميل، تزيّنه أشجار عالية خضراء أوراقها ريش الطاووس... وأغصانها سواد العنبر... فجأة بدأت خيولي تخفض من سرعتها لتتوقف أمام باب كبير مرصع بالياقوت الاخضر والمرجان الاحمر الداكن، وعلى جانبيه قلبان كبيران من المرمر، كتب على الاول بخط فضي بديع يخطف الابصار، عبارة «واحة» أما الثاني قد كتب عليه «الابداع»... تساءلت بيني وبين نفسي: أهذه واحة الابداع؟! ولما بابها مفتوحا على مصراعيه وكأنه يرحب بقدومي... خطوت قليلا، فاذا بي فوق بساط أخضر من الاعشاب أين تناثرت قطع من الذهب والفضة، تزغرد فرحة بي لتزيدني غنجا، ودلالا. مشيت مسافات تحت أشجار وارفة الظلال... تتدلى من أغصانها ثمار غريبة، وأزهار متعددة الالوان والعبير... تمعنت جيدا في هذا الجمال الاخاذ، واذا بسرب من العصافير الذهبية، تغرد بأحلى الالحان، وتبتسم لي بمناقيرها الدقيقة الخضراء... نظرت الى نفسي فبدأت ثيابي تتحوّل الى فستان فضفاض من الحرير الخالص، مطرزا بخيوط الفضة والذهب... تتوسطه ياقوتة خضراء رائعة تتدلى منها أحجار وشرائط رقيقة، وبينما أنا في حيرة جميلة إذا بتلك الطيور تدنو مني لتضع فوق رأسي تاجا برّاقا محلّى بالزمرد والالماس... فأصبحت كأني أميرة الذهب، أو «إليس» في «بلاد العجائب»... مضيت في طريق تملؤها البحيرات الصغيرة ترقص على صفحاتها أسراب البجع الابيض والاصفر والبنفسجي الانيق، تنظر لي بعيون ينساب منها ألوان قوس قزح، وأضواء بلون القمر... رسمت بذهول خطواتي أمام شلالات صافية كالبلور تنبعث منها موسيقى تفيض رقة وذوبانا... تتوّجها أشجار يانعة وصخور من المسك والعنبر، عبقت المكان وكأنه السحر يسدل جناحيه ليزيده جمالا فريدا في الوجود. سمعت أصواتا... ثم ضحكات خفيفة ناعمة، واذا بفتاة حسناء مقبلة، مرحبة مهللة سلمت عليّ وقالت انها «خوطية نصيب» ابنة الواحة... جذبتني من يدي وأخذتني أين تخبئ عرائسها الجميلة، فهذه «الوسادة الثكلى» وتلك «الهدية الخرساء» وهذه «نزيف الشعراء» وتلك «عفوا شهريار» قلت لها: ما هذه الاسماء الغريبة صديقتي؟ أجابتني وهي تبتسم انها «بنات أفكاري التي أعشقها لحد الثمالة»... وأردفت تعالي سليمى أعرّفك على أصدقاء الواحة، ها هو «معز العبيدي» مقبلا حاملا بين يديه «مدينة الشهداء» و»روعة الحياة» وهذه «يسر البجاوي» الرقيقة وقد زيّنتها «شمس الحقيقة» وتلك «ضفاء السالمي» بحقيبتها المطرزة وقد ملأتها زهورا «عاشقة» بعيدا عن «أيام الصقيع». أما «عبد المجيد الرزقي» فقد أقبل من «وادي الليل» معلنا أنه تخلص من «جروح في الروح» وأصبح يرقص رقصا جميلا مع «رحيل العشق». ثم دعوني جميعهم لاشاركهم. * سليمة السرايري (تونس 2005) --------------------------------------------------------------- **الموت يغار مني!! * الاهداء: الى سيدة قلبي وملكته في عيد ميلادها الثاني عسى الله أن يرحمها ويغفر لها وهو السميع المجيب... وعدتني بأن لا ترحلي قبل أن تكملي باقي الحكاية لكن ما لهذا الموت يغار مني ويذبحنا منذ البداية أيا قدرا ما بالك تستعجل وتنزل ستار النهاية أخذتها ولم تسألني وذهبت معك ولم تمهلني ودعتني ضحكتها البريئة وهجرتني نظرتها المليئة بالاسرار!... اليوم تأبى الذكرى مفارقتي ومصير قلبي الانهيار فإن كنت بي ترأف فخذني اليها ولا تأسف فما هدفي من البقاء؟ وروحها تناديني من السماء * نبيل بن حسين (المكنين) ----------------------------------------------------------------- **الحائرة إن كنت تسألي عني، سلي نفسك سلي الايام عن اسمي عن اسمك ألست من حيّرك... ألست من أرّقك وسهّر أعينك الجميلة أما تدرين بعدُ من أكون... فكيف تسألين... وتسألين إن كنت حقا لا تدرين أنا ههنا عندك... أنا ظلّك، أنا عطرك، أنا سحرك أنا ربيع العشرين من عمرك سلي عني سلي... أو تكهّني... حاولي، لا تيأسي... ربما ستعرفين تطّلعي، تحسّسي وجودي عندك... تفرّسي ملامحي ربما ستهدين ربما كشفت عن هويتي، تصوّري ستجدين توسّمي إن غاب عنك ما ألفت من الصدى... ربما وجدتني في نبرة صوتي الحزين تجسّسي نبض قلمي عند الاحرف لتعرفي استشعري معاني نظرتي واستنتجي تساءلي عن سر ترددي وتلعثمي... فكري واستحضري علامة خوفي توهمي مشاعري في الاعماق عند صمتي وبعدها، أكيد أنك ستعرفين... أكيد أنك احترت كثيرا أكيد أن السهاد زارك أكيد أنك اصبحت متعبة تفكرين... تفكرين فهل عرفت من أكون... ربما أكون عازفا... ألحانه لا توحي بالامل... بل كلها أسى... كلها أنين وكل أغانيه القديمة... وكل ترانيمه الحزينة لحّنها الزمان من سنين اذهبي الى الماضي، ابحثي، فتشي، تذكّري عودي الآن، انظري في مرآة الحاضر من الزمان حققي... فمن أكون... ربما أكون ساحرا يطارد الاشباح يهيّج القلوب ويسكن الارواح ساحر سفاح... تمرد فانقلب عليه سحره وفقد سلطانه فمسّه الجنون فأنّى لك الآن أن تنكري معرفتي وكيف تكذّبين... وتسألين أو إن أردت جدلا... ربما أكون شاعرا بلا عنوان أتى من المجهول... رؤيته معتّمة بصره معلق الى السماء كأنه مجذوب... كأنه مخبول... كثير الهذيان أفكاره غريبة أوزانه مضطربة أقواله معقّدة أشعاره ليس فيها طرب... ليس لها رنين شاعر غريب... أرهقه السهاد والقلم أتعبه الزمان... أضناه الانتظار... شاعر يبشر بالنور والهدى يقول للهوى... للشوق للحنين... شاعر لا يؤمن بعصره لا يأمن الايام... شاعر أتى من عالم الضباب في يده كتاب... غايته حسب ادعائه بأنه جيء به ليكسر الاقفال ويفتح القلوب ويزرع الايمان كأنه رسول ملهم... حازم أمين فهل عرفت الآن من أكون أو لا تزال عندك ظنون... وتسألين ومهما كنت واهما... وطالما ليس لك يقين فانتظري... وفي انتظارك تبقين في خيالي كصورة تريح خاطري... مثل قصيدة أحببتها مثل أسطورة ألّفتها مثل أمنية حققتها فإن أبيت أن تعترفي... ولازلت الى الآن تسألين فإنني إذا... سأصرح وأكسر القلم ثم أعود أصالح الاسى بلا ندم أعانق الالم... أعطّل الكلام... أضرب عن المقال ولا أنام أعيش في الظلام... عندها، ربما ستدركين من أكون وعندها فقط تصدقين * صلاح أبو سيف ----------------------------------------------------------------- **إعصار «تسونامي»... العاطفي ( 1 ) قالت لي السمراء... ذات مساء... أحبك... يا نهري الجارف... يا جارف أيامي... يا عندليب الغناء... نطقت عيناي دمعا... ارتعشت أغصان جسدي ... وجدا حتى رقصت نسائم المساء قلت لها: يا قلمي... يا ورقي... يا قصيدتي... ويا إلهام شعري... ... صيفا وشتاء إني أحبك... يا سمراء ... كلما يصحو فجر ... وكلما ينام أصيل بين أحضان المغيب ... وما بين وميض برق... وقصف رعد ... وفي كل ضياء ضحكت الدمعة على مقلتيها... فرحا... اغتسلت منها الشفاه المرتعشة ... أرقا ضمّدت جراح الهوى... ( 2 ) تأبطتها قرنا... تأبّطتني دهرا... لم نأبه... «لهيروشيما» لم نأبه... بالزجر... لم نأبه... بالمدّ... لم نأبه... بالزلزال لم نأبه... «بتسونامي» فقد أسكرنا... ... حر اللقاء... ... تقطّع الجسد... ... خرقا وتبعثرت الروح ... أشلاء ( 3 ) لن تسعفنا طواقم النجدة... ... غرقت باخرة الحب... ... طالها «تسونامي»... العشق ... غرقت في نهر الدموع... ... فابتلعها... بحر البكاء... ... لفظنا «تسونامي»... الحب طالتنا جحافل الاحصاء... فقدت منا... مائتي ألف... ... كرية حمراء... شُرّدت منا مائة ألف... ... كرية بيضاء ... قطعت منا شرايين الحب ... وسُدّت قصبات الهواء... جرّتنا... أمواج العشق جرجرنا... طوفان الهوى لفظنا... «تسونامي» على الشاطئ... ... مع الاشلاء كنا كطفلين... حالمين ... في حالة إغماء... وكان الحب بيننا... ... كلهيب... ... في حالة إطفاء... ( 4 ) ... لملمونا... ضمّدوا... الجرح النازف ضمّدوا جراح... ... السمراء ... أقبرونا... في خندق الموت... ... مع الاحياء... ( 5 ) من رحم غيبوبتي... ... مددت يدي... من قبري ... أسأل «تسونامي»... ... عن حبيبتي السمراء... صرخت... حبيبتي... وجدا ... ككل مساء ... أنا هنا... يا حبيبي في الخندق... مع الاموات ... أسأل عنك... ... الاحياء أنا هنا... لازلت من «تسونامي»... الحب في حالة إغماء... ... بكى الخندق... وقال: رأيت... ... تسونامي... العشق... مر ذات مساء... ... من هنا * الحبيب المقدم منزل بورقيبة ---------------------------------------------------------------- **ردود سريعة * نجوى بن عبد السلام الحامة: «يا أمي» و»صرخة من الاعماق» فيهما نفس شعري جميل ننتظر منك نصوصا أخرى. * ألفة العروسي توزر: «كيف أعود» تكشف عن موهبة شعرية ندعوك لتطويرها. مرحبا بكل مساهماتك. * أكرم محمود سليانة: «شهيد الحب» ننتظر أفضل منها دمت صديقا لواحة الابداع. * سلمى بن عبد الله الشريف تونس: القصيدة التي وصلتنا ننتظر أفضل منها دمت صديقة للواحة.