الكيفية التي اغتيل بها رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وتوقيت عملية الاغتيال ودقة التنفيذ وتوقيت الجريمة التي اقترفت وسط حملة أمريكية اسرائيلية شرسة تستهدف لبنان ومقاومته وتستهدف سوريا التي هي امتداده الاستراتيجي وشريكه في وحدة المصير.. كلها مؤشرات توحي بأن للفاعل مصلحة قصوى في ما قد يجرّه اغتيال الحريري.. وبعيدا عن الظن والتلميح ليس هناك غير اسرائيل وجهاز مخابراتها «الأخطبوطي» (الموساد)، من يقدر على تنفيذ ضربة معقدة كهذه يمكن أن تتحقق من ورائها أهداف طالما سعت تل أبيب إلى تحقيقها وفي مقدمتها ادخال لبنان مجددا في دوامة الصراعات الطائفية لإضعافه وتمزيق وحدته الوطنية والاستفراد بمقاومته المتمثلة في «حزب اللّه» وحمل سوريا على سحب قواتها منه بما يؤدي الى فضّ تلازم المسارين اللبناني والسوري (وهما في الحقيقة مسار واحد) وطيّ الملف اللبناني بالشروط الاسرائيلية الأمريكية.. ولا يخفى أن القرار 1559 الذي تبنّاه مجلس الأمن الدولي الخريف الماضي بتحريض أمريكي ومساعدة فرنسية يحقق (في حال تمّ تنفيذه على الأرض) جانبا من الأغراض الاسرائيلية، لكنه لا يفي بجميعها في مواجهة الإرادة اللبنانية السورية الصّلبة.. ومن الواضح أن الكيان الاسرائيلي أراد ببساطة من خلال عملية اغتيال الحريري «اختصار» المسافة، وهو الذي يملك باعا وذراعا في عمليات من هذا النوع سواء على الأرض اللبنانية أو في سوريا وفي غيرهما. ولا يخفى هنا أيضا أن عملية اغتيال كالتي راح ضحيتها رفيق الحريري قد نفذت بدقة عالية وبقوة تفجيرية كبيرة (350 كيلوغراما من المتفجرات) لم تدعا مجالا لنجاة الرجل.. وهذا تحديدا ما يمكن أن يقوم به جهاز مخابرات محترف ضالع في الاغتيالات وفي الارهاب مثلما هو حال «الموساد».. ولا بدّ أن اغتيال الحريري يوفّر على تل أبيب مشقة أكبر في دق الأسافين في العلاقة بين لبنان وسوريا التي لم تتزعزع على الرغم من كل الحملات الديبلوماسية والاعلامية التي تحاول تصوير هذه العلاقة على أنها علاقة طرف محتل بآخر واقع تحت الاحتلال.. والملاحظ أن اغتيال الحريري تمّ في وقت بدا فيه أن الحملة الأمريكية الاسرائيلية التي تٌشنّ على لبنان وسوريا بغرض إلغاء الروابط القومية الاستراتيجية التي توحّد مصيرهما، تسير باتجاه الفشل في ظلّ اصرار القيادتين في بيروت ودمشق على اعتبار القرار 1559 وما يحمله من مضامين خطيرة تمسّ بسيادة البلدين، تدخلا سافرا في شؤون البلدين الشقيقين وتعدّيا على قرارهما المستقل وقفزا على الواقع الذي يشهد على فشل المجتمع الدولي في انهاء الاحتلال الاسرائيلي لجميع الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان ومزارع شبعا اللبنانية.. ومن الواضح أنه لا مصلحة لسوريا أو لأطراف لبنانية مختلفة مع المعارضة في تصفية الحريري الذي كان على الرغم من انضمامه الى صفوف المعارضة عامل توازن في العلاقة اللبنانية السورية وكان أيضا حريصا على ابقاء العلاقة بين البلدين في أطرها الموضوعية دون الخروج بها الى المزايدات والتدخلات الاجنبية. وهذا يجرّ الى الاعتقاد بأن البصمات الاسرائيلية حاضرة في هذه الجريمة التي لا شكّ أن الكيان الاسرائيلي هو المستفيد الأوحد منها، والتاريخ يحفظ أمثلة كثيرة..