كل فرصة يلتقي خلالها الاعلاميون سواء لتذكّر تقنيات عملهم وتطوير معارفهم فيها او للجدل والسجال حول الاشكاليات المطروحة حول هذه المهنة هي فرصة ثرية بطبعها! ففيها يتبادل الصحافيون خبراتهم ويطرحون وجهات نظرهم ليس بغاية الجدل من أجل الجدل بل بغاية الخروج بنتيجة تطور الأداء وتشرح الحقائق وتعيد صياغة تعريف الاعلام كتقنية والاعلام كمهمة خصوصا أن هذا القطاع يحتمل من اتساع الأداء ومن اتساع المهام ما يجعل الحديث عنه يطل على كل شيء ويتناول كل شيء، ويهتم بكل شيء! وخصوصا أن هذا القطاع يتعرّض لأزمة حقيقية وعلى مستوى العالم كله أزمة مصداقية وأزمة رواج وأزمة تمويل وغيرها من الأزمات كثير. وهي أزمة يكاد يتفق الجميع أنها كشفت عن ذروتها خلال حرب الخليج الثانية التي تم خلالها اعتماد قناة واحدة للخبر على الرغم من خطورة الحدث وجلالته والتي قبع خلالها الاعلاميون في صالون واسع وهم يتلقون المعلومات المملاة والمتلاعب بها والموجهة صوب مصلحة طرف كان في ذات الوقت يصنع الحرب والتاريخ والمعلومة معا، ثم يقدمها طازجة بشكل لا يتحمل التثبت منها، وحسب نسق فرص تدفّقها بطريقة سريعة وكاذبة معا! لذلك لم أستغرب أرقاما سمعتها حول مصداقية الصحافة في أنقلترا على سبيل المثال حيث لم تعد تتجاوز 7% أو في المانيا حيث تدنت الى مستوى ال13% ولذلك أيضا تذكرت للتوّ وأنا استمع لهذا الحديث مقالا بقلم السيد «إقناسيو راموني» مدير تحرير جريدة لومند ديبلوماتيك حول الاعلام عنونه ب: السلطة الخامسة. وفيه تحدث عن تراجع الاعلام دوليا وتدنيه الى مرتبة أخرى، وعن ضرورة بعث مراكز لرصد أزمته وتقييم مصداقيته وايجاد حلول له خصوصا بعد أن ارتبط نهائيا بمصالح مختلفة وتمت عملية توجيهه صوب وجهة جعلت حرية الصحفي تنحسر بالضرورة وتتقلص مساحتها وجعلت مسألة أدائه مشكوكا فيها مسترابا منها ليس في الدول النامية فقط بل وفي الدول الغنية جدا والديمقراطية جدا والمتمسكة بالحرية جدا جدا. في هذا الاطار وفيه وحده أنزّل شخصيا الستة أيام التي قضيتها في بيروت للمشاركة في دورة تدريبية تحت عنوان : صحافة الانترنيت وعنها تفرعت الأشياء للحديث حول المهنة وتقنياتها أولا ثم حول أزمتها وأخلاقياتها ثانيا. ودعني أؤكد أنه كان لابد فيها من أفكار مختلفة ومن مقاربات متناقضة ومن حديث متشنج أحيانا حتى يقترب المهتمون من نقطة التقاء ومن حقيقة أن كل حقائق هذا القطاع نسبية بدورها ومن بديهة أن هذا القطاع يظل أوسع من أن يُعرّف وأثرى من أن يُحد. ودعني أؤكد مرة أخرى أنه كان لابد من التشنج ومن الهدوء أيضا لتتلاقح الأفكار وتتجاوز التنميط وتتعدى الدغمائية لتصل الى نقطة التقاء لا أقول أنها سوف تلغي الاختلاف ولكنها سوف تجعل منه ضرورة كنتيجة ورقيا كطريقة للحوار والسجال والجدل حول المختلف فيه! ومن أهم النتائج التي برزت خلال هذه الدورة هي : أنها ذكّرت بأبجديات المهنة وألحّت على حقيقة حاجة الاعلامي على الدوام للتعليم والتكوين. أنها أقامت حوارا ضروريا حول أزمة المهنة عالميا. أنها كشفت مرة أخرى عن ذكاء التونسي وسعة اطلاعه ومعرفته بالظاهر والخفي في هذا الميدان الخطير مهما كانت نظرته للأمور. أنها أكدت قاعدة نسبية الحقائق وخصوصيات المجتمعات وألويات الدول في هذا المجال بالذات. أنه لا تستطيع أن تدعي دولة واحدة في العالم أن اعلامها حرّ بلا حدود وأن تجربتها رائدة بلا شك فللكل في هذا المجال مطبات ومزالق. أن كل هذه الحقائق لا يمكن أن تلغي الحد الأدنى الذي يجب فيه أن تعيش الصحافة والاعلاميون معا. وكلها نتائج على ما اعتقد هامة وكل منها يطل على نقاش ويطرح اشكالية ويدعو الى أسئلة وأجوبة لا أحد بإمكانه ان يدعي أي الاجوبة أنه يمتلكها كلها وأنه فكك لوحده أسئلتها.