كان حديثي إليكم يوم أمس حديث وداع وتهنئة... على احتمال ان يكون رمضان تسعة وعشرين يوما.. وقد شاء رمضان ان يطيل إقامته بيننا بيوم جديد... وأن يعيدني اليكم هذا المساء بحديث جديد أيضا. ولم أكن في الواقع مصمما ان أقطع حبل الاتصال الذي ربط بيني وبينكم على أخوة الاسلام وحب الوطن... وإرادة الخير لشعبنا في حاضره المجيد ومستقبله الأمجد. وقد كان في نفسي أن أعود اليكم كل أسبوع مرة أو أكثر لنزداد تعارفا وتعاونا على فهم مشكلنا والعمل المتواصل النزيه لحلها وبناء حياتنا على أسس قوية من العلم والأخلاق والقيم الانسانية الهادفة. وقد فكّرت طويلا فيما يجب ان أحدثكم به في ختام شهر رمضان وفي مستهل ليلة عيد الفطر المبارك، وقد رأيت آخر الأمر ان أحسن موضوع أختم به أحاديثي هذه هو «عاداتنا في العيد». وعاداتنا كثيرة قد تختلف بعض الاختلاف بين العاصمة وبين بعض المدن أو القرى التونسية... ولكن هناك عادات مشتركة أو أكثر شيوعا من غيرها، وهي مع ذلك لم تعد لائقة بإنسان العصر الحديث... إنسان الطائرة والصاروخ والراديو والطاقة الذرية، ولهذا سأحدثكم فقط عن عادتين كثيرتي الشيوع والضرر بين أفراد المجتمع: العادة الأولى.. هي عادة التقبيل.. إذ ما يكاد يوم العيد تظهر أنوار صباحه، وما يكاد الناس يرى بعضهم بعضا فيه، حتى ترى الوجوه تصطدم ببعضها... وترى الرؤوس تنحني على الاكتاف لتضع قبلة في وجه او كتف او مكان آخر. والحقيقة ان عادة التقبيل هذه لم تعد صالحة مطلقا من جميع النواحي.. خاصة انها قد تستغل لأغراض حقيرة تافهة. وأكبر ضرر التقبيل هو نقل الأمراض والجراثيم من أشخاص مصابين بأمراض معدية الى آخرين أصحاء سليمين منها. ومن وسائل الوقاية الصحية الحديثة اجتناب تقبيل الأشخاص الذين لا نعرف شيئا عن أحوالهم الصحية.. أما العادة الثانية التي نريد ان نتخلص منها فهي أيضا ذات ضرر اقتصادي وصحي شامل لعدد ليس بالقليل من المواطنين.. خاصة سكان العاصمة.. ففي يوم العيد حيث يكثر تبادل الزيارات للبيوت للتهنئة، يكثر ايضا تقديم الحلويات واجبار الزائر على الأكل منها أو كما يقولون له: «بربي كول كعيبة برك». و«الكعيبة» الواحدة تتكرر في عدد من البيوت قد يكون كبيرا جدّا، وعندها تحل كارثة ببطن (المسكين) وكم من مسكين يمرض من كثرة أكل البقلاوة في العيد... بينما هناك آلاف المساكين الذين لا يرونها حتى بأبصارهم في هذا اليوم!!