بقلم: عزوز غزال (قابس) أحدثت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من رحم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي للاشراف على عملية انتخابات المجلس التأسيسي في جميع مراحلها ابتداء من الترسيم الارادي للناخبين في القائمات الانتخابية الى حدود العملية الانتخابية ذاتها وتم في الغرض دعوة كل مواطن حامل لبطاقة تعريف وطنية باستثناء بعض الأشخاص التي تمنع صفتهم بمقتضى القانون تسجيل أسمائهم بمكاتب مهيأة للغرض في مدة زمنية كان آخرها 2 أوت 2011 وتم التمديد في ذلك ليوم 14 أوت من نفس السنة نظرا الى ضعف الاقبال على التسجيل وقد تم اعتماد شعار لهذه الحملة: «وقيت باش تقيد» الا أننا فوجئنا باعلان رئيس الهيئة المذكورة بعدم اقتصار عملية الانتخاب على المرسمين بالقائمات الانتخابية فقط بل هي مفتوحة لكل مواطن حامل بطاقة تعريف وطنية. إن هذا القرار يحمل على الاستغراب والتساؤل لماذا كل هذه الدعاية لعملية التسجيل ولماذا هذه المصاريف الهائلة الممنوحة من قبل الدولة والمقتطعة من ميزانيتها ولماذا تم اتخاذ هذا القرار بعد بضعة أيام من اتخاذ قرار التمديد في التسجيل في القائمات الانتخابية وما هي جدوى بقاء آجال التمديد؟ عدة تساؤلات تخامر ذهني كبقية متابعي الشأن العام فعملية التسجيل أخذت في التصاعد شيئا فشيئا لتبلغ قرابة 30% وتم اتخاذ عدة قرارات اعتبرها صائبة لتشجيع المواطنين على الترسيم من ذلك تركيز مكاتب تسجيل مستقلة بما يعرف بالتسجيل باب باب حتى انه من الطرائف قامت امرأة عجوز يقارب سنها 111 سنة بالترسيم، كما تم تركيز مكاتب بالفضاءات التجارية الكبرى ومحطات الارتال والحافلات ونقل بعض كبار السن المتقاعدين الى مكاتب التسجيل بواسطة حافلات بصفة مجانية. غير أن ما يلاحظ ان أغلب المسجلين بصفة ارادية هم من صنف الكهول أي الشريحة العمرية الأكثر نضجا ووعيا بأهمية العملية الانتخابية في تقرير مصير بلادنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال اختيار النظام السياسي الذي سيحكمنا مستقبلا وفي المقابل كان اقبال الشباب والنساء وخاصة الكبار منهم ضعيفا وهو لعمري أمر غريب خاصة بالنسبة الى الشباب الذي كان المحرك الأول والأساسي لثورة شعبنا المجيدة والتي دفع ثمنها من أرواحهم الزكية. ولكن ما أريد ان أقوله أنه لا يجب التشاؤم لضعف الاقبال على التسجيل الارادي وبلوغ نسبة 40% بانقضاء آجال الترسيم في القائمات الانتخابية أمر منطقي ومعقول لأول تجربة ديمقراطية تعرفهاه بلادنا بعد مدة طويلة من القمع والدكتاتورية وتزييف الانتخابات والتي كانت نتائجها معروفة مسبقا من حيث النسبة أو القائمات الفائزة، فالشباب كان نافرا من الحياة السياسية لعدم ثقته في السلطة الحاكمة اذ ان نسبة كثيرة منهم كانت في حالة بطالة طويلة خاصة من خريجي الجامعات فاتجه اهتمامها الى ميادين اخرى كالتخاطب عبر الانترنت عله يتعرف على أجنبية ليرتبط بها ويتمكن من الهجرة الى بلدان أوروبا حيث الجنة المفقودة «الالدورادو» المزعوم حسب اعتقادهم وكذلك الملاعب الرياضية التي أصبحت المتنفس لهم لتصعيد مشاعر الاحباط واليأس التي يعيشونها عبر ممارسة العنف بجميع أنواعه وتواصل هذا النفور من السياسة وأهل السياسة حتى بعد 14 جانفي لرسوخ الاعتقاد في نفوس وعقول الشباب بأن الاحزاب السياسية التي توالدت وخرجت كالفقاقيع لتبلغ اعدادا قياسية لم تبلغها اعتى الديمقراطيات الأوروبية والأمريكية ليست الحل بالنسبة لهم للخروج من براثن البطالة والاحتياج بل ان غايتها التكالب والتنافس للوصول الى سدة الحكم دون تقديم أي مشاريع للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واضحة الى حد الآن. فشبابنا ونظرا للتصحر السياسي الذي كانت تعيشه بلادنا فهو لا يعرف من تلك الاحزاب الا عددها وهذا امر خطير مما يجعل شبابنا لقمة سائغة لبعض الاحزاب السياسية التي لها امكانيات مادية كبيرة أو تحمل أيديولوجيات معينة لاستقطاب بعض الشباب المراهقين أو الذين يعيشون اليأس والاحباط والحرمان واستعمال المال السياسي والحوافز المادية لأهداف انتخابية وشراء بعض الهمم والنفوس خاصة في صفوف الفقراء والمساكين وبذلك يكون الفوز لمن يدفع أكثر علاوة على ارتفاع عدد الأميين في بلادنا فآخر الاحصائيات تبين انه يوجد ما يقارب مليوني ناخب أمي لا يعلمون شيئا عن الاحزاب مما يسهل عملية توجيههم لقائمة معينة. في اعتقادي ان تسجيل نسبة تقارب 40% في القائمات الانتخابية بصفة ارادية من قبل المواطنين يدل عن وعي هؤلاء بأهمية الانتخابات المقبلة لتقرير مصيرنا وبلوغهم نضجا سياسيا خاصة أن أغلبهم من الكهول البالغين خير من تسجيل نسبة كبيرة يكون أغلبها من الشباب المراهقين أو الأميين الذين يسهل استمالتهم لطرف حزبي معين على حساب طرف آخر باستعمال جميع الوسائل الاغرائية فيؤدي ذلك الى نتائج غير متوقعة ينتصر فيها المهزوم وينهزم بها المنتصر وتنقلب الموازين ويخرج الوطن والشعب الخاسر الأكبر من صندوق الاقتراع لذا فأنني أرى ان اتخاذ قرار تمكين كل مواطن حامل لبطاقة تعريف وطنية للمشاركة في الانتخابات دون الاقتصار على من رسم في القائمات الانتخابية هو قرار في غير طريقه ومجانب للصواب للأسباب التي بينتها أنفا.