مثل فشل الاحزاب الدستورية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي صدمة كبرى للدستوريين الذين لم يكونوا ينتظرون البتّة هذا الانهيار المريع بالرغم من تعدد قائماتهم، فهل كان تشتت الأحزاب سببا في ذلك أم أن المجتمع التونسي ملّ فترة الدستوريين وصوّب وجهته نحو اتجاهات أخرى وبعد هذه الهزيمة المدوية حيث لم تحصل كل هذه الأحزاب الدستورية إلا على 6 مقاعد ذهب 5 منها الى حزب المبادرة.. هل يستفيق الدستوريون ويتداركون الموقف ويعيدون المجد الى حزب النضال الوطني من أجل تحرير البلاد وبناء أسس الدولة الحديثة أم أن فشلهم هذا سيدفعهم الى الانسحاب النهائي من الحياة السياسية وترك أمر قيادة البلاد الى أحزاب أخرى؟ جريدة «الشروق» اتصلت بعدد من الوجوه الدستورية البارزة واستقرأت آراءهم. السيد محمد الصياح: أنا عائد للمّ الشمل في المستقبل القريب السيد محمد الصياح يؤكد في تحليله للأسباب التي أدت الى انهيار الأحزاب الدستورية تعود الى الفراغ السياسي الذي سيطر على حياة المناضلين الدستوريين والى الانقسامات التي شقّت صفوفهم وغياب القيادات التي أبعدت بعد النكبة التي أصابت البلاد والحزب الاشتراكي الدستوري باني الدولة الحديثة والوريث الشرعي لحزب الحركة التحريرية، حيث سطا نظام بن علي على ذاكرة الأمة وأقصى المناضلين الصادقين، وأضاف السيد محمد الصياح قائلا: لقد تسبّبت تصرفات النظام السابق في قطيعة بين الدستوريين خاصة أمام فقدان القيادة وفرض«التجمع» لإرادته على الناس. ومن الأسباب الأخرى لفشل الأحزاب الدستورية الأخطاء المرتكبة من قبل قيادات الحزب الاشتراكي الدستوري في بداية الثمانينات والتي زادها تشعبا تصرّف قيادات التجمع الذي صنّفت أخطاؤه وأثقلت على حساب الدستوريين والحال أن لا علاقة بين الحزب والتجمّع. السيد محمد الصياح أضاف قائلا «أمام صمت الدستوريين واستقالتهم من الحياة السياسية برزت قوى أخرى فرضت إرادتها ونسبت لنفسها الثورة المباركة وعرفت كيف توظفها لنفسها، في حين دخلت القوى الدستورية مشتّتة الصفوف فظهرت بمظهر المنهزم وعن سؤال حول امكانية عودته الى الساحة السياسية قال المدير السابق للحزب نعم سأعود للمّ شمل الدستوريين في القريب. السيد عبد المجيد شاكر: على الدستوريين أن يكونوا أكثر واقعية السيد عبد المجيد شاكر الرئيس الحالي للحزب الحر الدستوري الجديد سبق له أن شغل خطة مدير للحزب الذي حرر البلاد وكان يحمل نفس التسمية من أوت 1956 و1964 يقول انه يشعر بالاعتزاز وهو يرأس نفس اسم حزب التحرير وبناء الدولة الى حدود مؤتمر المصير ببنزرت ويؤكد أن العبرة في هذه الانتخابات ليست بالنتائج بل بالمشاركة التي أكّدت ان سبب فشل الاحزاب الدستورية يعود الى الانقسامات والتجاذبات ودعا الى أن يكون الدستوريون اكثر واقعية فتشتت الصفوف أضر بهم واتضح جليا ان استراتيجية هذه الاحزاب كانت خاطئة. فقد كان القادة يعتقدون بأن كثرتها ستؤمن لهم أكثر مقاعد لكنهم خسروا الكل في الكل وحول المرحلة المستقبلية نادى السيد عبد المجيد شاكر بضرورة وحدة الصف للعائلة الدستورية في اطار من التعاون الصادق بدون تهميش ولا اقصاء وطالب بالبدء بوحدة الاحزاب ذات الجذور الدستورية الاصيلة مع ترك الباب مفتوحا للاحزاب التي عمل قادتها مع نظام بن علي لتعزيز الجهد الوحدوي وختم السيد عبد المجيد شاكر حديثه قائلا إن الحكم لا يهمنا ولكن تهمنا مصلحة تونس العليا والتي نسعى الى المساهمة فيها في اطار من البناء الديمقراطي بكل صدق واخلاص. ولكن لا نستطيع ذلك ان بقينا مشتتين ذلك أنه لو اتحدنا قبل هذه الانتخابات لكانت حظوظ نجاحنا أوفر. حديث الشارع عن فشل الأحزاب الدستورية: عقدة التجمع كبلت العديد و«النهضة» كانت خيار الشعب بين الأحكام المعيارية والانطباعات العاطفية تراوحت الآراء التي رصدناها من طرف بعض السياسيين والمواطنين من ولاية سوسة حول نتائج الإنتخابات وتراجع حضور الدستوريين في ظل نسبة كبيرة اختارت عدم التصويت. (الشروق): مكتب الساحل : حاولنا التوجه إلى بعض الوجوه السياسية سوى التي تقلدت مسؤوليات في هذا المجال أو التي كانت منخرطة سوى في العهد البورقيبي أو التجمعي فوجدنا صدا من طرف البعض و إقبالا ممزوجا باحتراز من البعض الآخر . نائب رئيس البرلمان السابق يحترز «بارك الله فيما اختاروليس لي ما أقول لقد قررت الانسحاب من كل المسؤوليات السياسية خدمت بلادي في فترة من الفترات بكل شرف ولا أريد لا التحدث و لا ممارسة السياسة» هكذا عبر لنا السيد الصحبي القروي النائب السابق لرئيس البرلمان إلى جانب تقلده العديد من المسؤوليات الحزبية والسياسية مؤكدا أن المجال الآن موكول للوجوه الجديدة والشباب وحول مدى تأثير انسحاب العديد من الوجوه السياسية المحنكة أجاب السيد الصحبي «ولماذا لا نتساءل عن تواجد الوجوه التي لا تاريخ ولا خبرة سياسية لديها فقرار الإنسحاب يلزمني وهو قرار شخصي أريد أن أرتاح الآن وأهتم بشؤوني الخاصة والشعب قال كلمته والصناديق باحت بنتائجها ولسائل أن يسأل ويبحث عما يحدث الآن من حالة الفوضى في إحدى المناطق». وإن وجدنا صعوبة كبيرة في أخذ تصريح من السيد القروي فتوجهنا لبعض الوجوه البورقيبية والتجمعية صاحبه صد من طرف أغلبيتهم حيث عبر لنا السيد شعبان قائلا: «لم يعد لنا رأي فما الذي ربحنا من نضالنا الحزبي فأنا مع زوجتي أصبحت لا أحكم وليس لي رأي أرجوك أعفني فليس لي رأي و لا أريد التعليق على أي شيء». التجمعيون شعروا بالذنب فذهبوا للنهضة هكذا فسر السيد قاسم منصور والذي اضطلع بمسؤوليات حزبية في العديد من السنوات مضيفا «كل الأحزاب التي حاولت استمالت التجمعين فشلوا والتجمعيون اختاروا عن طواعية حزب حركة النهضة وكثرة القائمات عطلت العديد عن الإختيار وقد يفسر ذلك العزوف عن التصويت». أصوات تجمعية في «العريضة» اعتبر السيد الهادي قريعة أن من اجتهد في حملته الانتخابية حاز المرتبة الأولى رغم حدوث بعض المفاجآت التي تخص تراجع الحزب الديمقراطي التقدمي والبروز الفجئي لحركة العريضة والذي يفسره العديد باستقطابها لأصوات تجمعية وابتعاد «النهضة» عن خطاب الإنتقام والتشفي جعلها تكسب ثقة الشعب التونسي والذي اختارها عن قناعة والصندوق أنصفها على حسب تقديري، وفسر السيد قريعة انسحاب وتراجع العديد «الدساترة» بالخوف نتيجة عقدة الإتهام ب«التجمعي» وحول مستقبل البلاد دعا السيد الهادي الشعب إلى «التكتل وتجنب الأفكار من قبيل الهدية المسمومة ل«النهضة» فقد حازت على ثقة المواطن فلنتركها تعمل مع ضرورة توحيد الجهود» على حد تعبيره.فيما اعتبر أحد الوجوه التجمعية (رغم تفنيده لذلك وإقراره بأن انتماؤه للتجمع فكريا لا غير) ويضطلع بمسؤولية «عمدة» أن أكثر التجمّعيين الذين يعرفهم صوتوا لحزب النهضة فيما بقي البعض على الربوة لتأمل مستقبل المشهد السياسي والأشخاص الذين صوتوا للحامدي كانت بدافع نزعة جهوية لا غيرعلى حدّ تقديره. الكلمة كانت للشعب اعتبر السيد شكري جغام أن «الكلمة الفصل كانت للشعب وما على الجميع إلا التركيز على مستقبل البلاد والنهوض بها وفسر تراجع الدستوريين الذين وصفهم بالمخضرمين الذين أرادوا التواجد وكانوا محسوبين على أتباع بن علي بحكم أن نشاطهم كان امتدادا لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي إضافة إلى رغبة الشعب في ضخ دماء جديدة في المشهد السياسي والعديد من التجمعيين والدستوريين صوتوا للتكتل والمبادرة وبقية الأحزاب الدستورية» على حد تعبيره وحول عزوف العديد عن التصويت اعتبرها السيد جغام نقطة استفهام كبرى فسرها بانعدام ثقة هؤلاء في الأحزاب الموجودة. وأكد الشاب بلال اللطيف أن الشعب اختار من رآه الأنسب والنتائج الحاصلة منطقية ومنتظرة ولكن الفعل هو الذي سيبقى الفيصل في الحكم واعتبر السيد رياض لحوار كاتب عام مساعد للحزب الديمقراطي التقدمي بسوسة أن «نتائج الإنتخابات كانت مفاجئة للعديد فيما يخص تراجع بعض الأحزاب لعدم جاهزيتها عكس الأحزاب الفائزة التي تمتلك التجربة اللازمة وفوز العريضة الشعبية يرجع للماكينة التجمعية التي دعمتها وساهمت فيها وانقسمت أصوات التجمعيين بين حزب «المبادرة» و«العريضة» فيما همشت الآلاف من الأصوات وأعتقد أن المشهد السياسي سيتغير وستشهد البلاد الإستقرار المطلوب» على حد تأكيده.