فجّرت النقاشات حول تحديد مدّة عمل المجلس التأسيسي ورفض الائتلاف الذي تقوده «النهضة» تحديد المدّة جدلا واسعا واتهامات خطيرة من جانب «المعارضة» وخاصة من نواب الحزب الديمقراطي التقدّمي الذين اتهموا النهضة والتكتل بالتراجع عن وعودهما. واعتبر عضو المجلس عن الحزب التقدمي عصام الشابي أن التصويت أمس على الفصل الاول من مشروع قانون التنظيم المؤقت للسلط دون الأخذ في الاعتبار التعديل الذي اقترحته المعارضة بالتنصيص على ألّا تتجاوز مدّة عمل المجلس سنة واحدة قابلة للتجديد بستة أشهر مرة واحدة بموافقة أغلبية الثلثين «أول انحراف عن أهداف الثورة» قائلا «إن الذين وقعوا قبل الانتخابات على وثيقة المسار الانتقالي (التي وقعها 11 حزبا) والتزموا فيها بمدة السنة هاهم اليوم مع أول امتحان للتصويت ينقلبون وينكثون العهود».
الوفاء بالالتزامات وقال الشابي إن «من يحكم البلاد يجب أن يكون له كلمة وشرف وميثاق وعهد، وإن من لا يفي بالتزاماته ومن يتنكر لتعهداته في أول خطوة غير مؤهل لحكم تونس». وأضاف الشابي في تصريحات غاضبة «بلادنا في حاجة إلى قيادة حكيمة لا إلى قيادة تبحث عن اقتسام غنيمة انتخابية... هم اعتبروها حرب انتخابات واليوم يتقاسمون غنيمتها».
وقالت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي مية الجريبي «أتساءل ما معنى أن يلتزموا بأمر ثم يتراجعون عنه، لذلك أتمنى أن تعودوا إلى اللّحظة التي أمضى فيها هذان الحزبان (النهضة والتكتل) على هذه الوثيقة (وثيقة المسار الانتقالي التي رعاها عياض بن عاشور ووقعها أيضا 11 حزبا بينها الحزب الديمقراطي التقدمي في أوت الماضي).
وتساءل أمين عام حركة التجديد أحمد إبراهيم «هل هذا مجلس تأسيسي لصياغة دستور أم هو برلمان تتحكم فيه الأغلبية»؟.
تخفيف النقاشات في البديهيات وأبدى رئيس كتلة حركة «النهضة» نور الدين البحيري قدرا من الهدوء في الرد على هذه الاتهامات قائلا «نحن على يقين بأن مهمة المجلس هي صياغة دستور في أجل نأمل ألّا يتجاوز السنة وندعو إخواننا في الحزب الديمقراطي التقدمي إلى أن يخففوا عنا النقاشات في البديهيات حتى تتمكن الحكومة المقبلة من البدء في مهامها وحتى لا يقول عنا الشعب إننا أطلنا مدة عمل المجلس».
وأضاف البحيري «نعم للحوار، نعم للنقاش ولكن لا لأن يكون ذلك لمحاولة تعطيل الاتفاق على رئيس الجمهورية وعلى حكومة تسعى إلى حل مشاكل البلاد». وأكد البحيري «نحن في النهضة وفي المؤتمر وفي التكتل ومع بعض المستقلين ومن «العريضة» ملتزمون بأن ينجز المجلس التأسيسي عمله في غضون سنة ولكن ندعو إخواننا في الجهة المقابلة بأن يشرعوا في الحوار وعدم التعطيل بطريقة قد تزيد من تأزم الوضع في البلاد، فالإبقاء على حكومة تصريف أعمال لمدة طويلة فيه مخاطر ونحن ملتزمون بصياغة دستور ودخول هذه المرحلة المقبلة وعلى الإخوة أن يساعدونا في التزامنا أمام شعبنا». أما المؤتمر من أجل الجمهورية فبدا ثابتا على موقفه من المدّة الزمنية وكان أمس أقل عرضة للانتقاد.
لا لضغط الوقت وقال الناطق الرسمي للحزب عماد الدايمي «المؤتمر كان الحزب الوحيد الذي لم يوقع على هذه الوثيقة لتحديد فترة عمل المجلس لأنه كان لديه نظرة أن المجلس يجب أن يستغرق مدة طويلة في عمله واقترحنا مدة ثلاث سنوات لاننا اعتبرنا أن دور المجلس لا يقتصر على كتابة دستور فحسب بل قيادة المرحلة التأسيسية وإعداد البلاد للدخول في مرحلة قادمة اكثر استقرارا».
وأضاف الدايمي «ما رأيناه اليوم أن بقية الأطراف في الائتلاف وأساسا النهضة والتكتل تبنوا فكرتنا التي تقول إنه لا ينبغي تحديد مدة عمل المجلس بفترة سنة وإنما فسح المجال أمامه حتى ينهي أشغاله على الوجه الأكمل ودون ضغط وقت ودون استعجال، لذلك نحيي بقية الأطراف داخل الائتلاف على هذا الموقف.»
وأكد الدايمي أن هناك أطرافا من خارج الائتلاف وافقت على هذه الرؤية وهي رؤية منطقية ومعقولة ستمكننا من دخول المرحلة التأسيسية بأكثر استقرار وتنظيم مشيرا إلى أنه داخل الائتلاف لم يتم تحديد الفترة وان الوثيقة الوحيدة التي تم فيها تحديد مدة زمنية هي إعلان المبادئ في أعمال اللجان الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذه الوثيقة تحدثنا عن ان الحكومة ستعمل لمدة سنة أو أكثر، لذلك فالمدة مفتوحة».
وفي نفس هذا الاتجاه قال عضو المجلس عن المؤتمر محمد عبو «نحن في المؤتمر كان لنا في السابق تصور معين لمدة طويلة لعمل المجلس، أما اليوم فنحن في ائتلاف حكومي يؤيد الالتزام بسنة أو سنة ونصف كحد أقصى بشرط ان تقوم الحكومة بالإصلاحات الضرورية، لكن البعض رأى أن في تصورنا تبعات خطيرة قد تسفر عن تعطيل عمل المجلس لأكثر من سنة وربما تحدث أزمات وعدم استقرار .
وأكّد عبو أن الالتزامات المعنوية للأحزاب على درجة عالية من الأهمية، ونحن نخشى إن حددنا المدة من أن نجد أنفسنا في حالة قانونية قد توصلنا إلى فراغ».
ملتزمون لكن لا نعرف الطوارئ وأكّد عضو المجلس عن حزب التكتل عبد اللطيف عبيد من جانبه أن الالتزام القانوني والأخلاقي أقوى من أي التزام، مسيرا إلى ان التكتل التزم منذ أوت الماضي مع مجموعة ال 11 حزبا التزاما أخلاقيا بأن ينهي المجلس عمله في غضون سنة.
وأكد عبيد «نحن مازلنا على هذا الالتزام لكننا لا نعلم الطوارئ التي قد تحصل فقد نتمكن من إنهاء العمل في ستة أشهر ونتفق على الدستور ونشرع في تطبيقه كما انه قد تطرأ طوارئ تحول دون إنهاء العمل في ظرف سنة خاصة إذا تواصلت المناقشات بهذا النسق».
وردّا على سؤال حول ما إذا كان ما تقوم به المعارضة يندرج في إطار تعطيل عمل المجلس قال عبيد «هذا يدخل في باب الاستعجاز أو التعجيز متسائلا لماذا يصرون على أن يكون التمديد في المدة بموافقة الثلثين والحال أنهم رفضوا أن يتم سحب الثقة من الحكومة بمثل هذه الأغلبية؟».