قال النبي عليه الصلاة والسلام «من غشنا فليس منا» هذا الحديث الشريف أصبح منسيا للأسف الشديد من قبل عدد كبير من التجار والعمال والبنائين وكل ذي صنعة حتى صار البعض يتساءل: هل الغش لدى التونسي من قبيل المرض أو الثقافة أو السلوك الاجتماعي السائد؟ إذا دخلت السوق لشراء الخضر والغلال فاعلم لن تسلم من الغش إلا إذا أنصفتك الصدفة ووضعت أمام تاجر يخشى الله وإذا عزمت شراء بعض اللحوم والأجبان أو أي منتوج آخر فحاول قدر المستطاع البحث عمن لا يغش فهذا يجب على التونسي أن يكون يقظا دائما حتى لا يقع ضحية الغش والغشاشين لكن في النهاية مهما حاولت ومهما كنت حريصا فإنه لا بد لك أن تقع في قبضة الغشاشين الذين أصبحت أعدادهم في تزايد مستمر. ولسائل أن يسأل: لماذا استفحلت ظاهرة الغش في تونس؟ وما هي أهم الأسباب التي تغذي هذه الظاهرة وهذا السلوك الاجتماعي الوضيع الذي لا يرضي لا الله ولا العباد؟ تراكمات يرى الدكتور عماد الرقيق المختص في علم النفس أن انتشار ظاهرة الغش في المجتمع التونسي هو من قبيل التراكمات الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية إلى درجة أن أصبح الغش أمرا شبه شائع في تونس وهو من قبيل العادات السيئة ومن أهم أسباب تفشي ظاهرة الغش نذكر: 1) الجشع وطلب الربح المتواصل 2) الذهنية الاستهلاكية بحيث يصبح الفرد يرغب في الحصول على دخل يفوق مستواه ليغطي مصاريفه التي تفوق عادة دخله العادي فيضطر إلى الزيادة في مدخوله بأية طريقة حتى ولو كانت عن طريق الغش. 3) التقليد: وهو أن يتماثل الناس ويكتسبون ذهنية الغش بما أن الغش حسّن ظروف عدد من الغشاشين وطور دخلهم فتتولد لدى البعض قناعة راسخة بأن الغش هو الحل الوحيد للوصول إلى تحقيق مطامح الشخص في هذه الحياة. وتعتبر فئة الغشاشين أن المسار العادي لتحقيق الربح والكسب الوفير هو الغش والتحيل وعدم الثقة ويمكن في هذه الحالة أن نعتبر الغشاش شخصا مريضا يجب عرضه على الطبيب حتى يعيد إلى وعيه وتفكيره مبدأ العمل والسعي والجهد والصبر والتضحية والمثابرة باعتبارها السبيل الوحيد لكسب المال والربح وتطوير الأوضاع المادية للشخص لا الغش والتحيل واتباع الأساليب الملتوية والمغالطات لتحقيق الأرباح. كيف نقضي على الغش؟ لكن كيف يمكن تخليص المجتمع من ظاهرة الغش؟ يجيب الدكتور عماد فيقول: هذا الأمر لن يكون سهلا نظرا لتفشي الظاهرة وتغلغلها في السلوك المجتمعي التونسي لكن يمكن اتباع سياسة التدرج وذلك بتنظيم حملات تحسيسية وتوعوية تكون قاعدتها المدرسة والعائلة ثم المواعظ الدينية والحملات الإعلامية لإعادة ترسيخ مبدإ العمل الدؤوب والمتواصل ومقاومة الكسل والتواكل وتعلم الصبر والتضحية وهو أمر يتطلب كثيرا من الوقت والدربة. ترسيخ السلوك الحضاري وصفاء النفس ضروريان لإعادة تشكيل نفسية متوازنة لدى التونسيين وتكون قائمة على أساس: احترام الآخر والجار والقريب والحريف احتراما شديدا بث السلوك الحضاري في كل الميادين وخاصة لدى الأطفال والمراهقين حتى يتجنبوا الغش والطرق الملتوية في تعاملهم مع الآخر. ترشيد الاستهلاك والتقليص من التبذير ودراسة الميزانية الفردية والعائلية يجب أن تكون الطموحات توافق الإمكانيات حتى لا نضطر للغش والكسب غير المشروع يجب أن يعلم من يغش غيره أنه من الممكن أن يتعرض إلى بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والخوف وتأنيب الضمير وغيرها من الضغوطات النفسية جراء ارتكابه لعمليات الغش. من جهة أخرى يجب على المجتمع التصدي لهذه الظاهرة وذلك بتحسين الظروف المعيشية العامة والتخفيض في الأسعار وفتح الآفاق أمام عموم الشغالين لتنمية مكاسبهم المادية عن طريق العمل وإيجاد الفرص المشروعة لتحقيق الربح.