نجاة يحمد مطلقة جاوزت منتصف العقد الرابع من عمرها تعيل ثلاثة أبناء وفتاة متبناة بمنحة لا تتجاوز السبعين دينارا أقامت كوخا في الخلاء على أطراف المدينة تغيب فيه ابسط مقومات الحياة الكريمة. على بعد حوالي 3 كيلومترات من وسط المدينة على الطريق المؤدية الى الحامة تلمح «براكة» او كوخا ينتصب وحيدا وسط العراء غير بعيد عن غابات بوشمة وبعض بيوت حديثة البناء اصطبغت كلها بحمرة الآجر ظهرت بعد الثورة تسابق الزمن قبل عودة مصالح المراقبة والبلدية الى سالف نشاطها. اقتربنا من الكوخ فبدا المشهد كصورة تاريخية قديمة جدا عادت بالذاكرة الى فترة الستينيات من القرن الماضي زمن ترحال الاهالي التماسا للماء والكلإ وبحثا عن حقول القمح والشعير وغابات الزياتين للعمل فيها ومساعدة اصحابها قبل العودة الى الديار بمؤونة سنة من هذا وذاك. أمام الكوخ كانت فتاتان لا زالتا في ريعان الشباب تقوم الاولى بحملة نظافة مستعملة مكنسة من عرجون النخيل قبل ان تأخذ فرشا بسيطة وبعض الاغطية الصوفية لتنشرها على كثبان رمل ونباتات شوكية قريبة لتجف مما لحقها من بلل بعد ليلة ممطرة لم تستطع فيها الاغلفة البلاستيكية للكوخ ان تصمد طويلا امام الرياح والأمطار في حين كانت الفتاة الثانية منحنية على إناء بلاستيكي تغسل قطعا من ثياب العائلة بماء بارد يكاد يجمد الدم في عروقها. الكوخ عبارة عن شبه غرفة يتيمة محاطة بجريد النخيل ومسقوفة به ومغطاة بقطع من البلاستيك لمنع تسرب المياه وفي شمال مدخل لا باب له الا قطعة قماش تسدل ليلا طاولة وموقد غاز للطبخ وبعض الاواني البسيطة هي كل مكونات المطبخ وعلى الارضية فرشت قطعة بلاستيك مهترئة لمنع تسرب الرطوبة الى الاجساد التي تكدست خلال الامطار الاخيرة في احد الزوايا لتبتعد عن قطرات المياه بعد ان عجز سقف سعف الجريد والبلاستيك عن منعه من التسرب. تحدثت نجاة عما عانته ولازالت منذ طلاقها بالتراضي قبل ثلاث سنوات ولم تتحصل على منحة الشؤون الاجتماعية الا بعد الثورة لتعيل أطفالها وفتاة تبنتها منذ سنوات حتى اصبحت فردا من العائلة وقد انقطع ابناؤها عن الدراسة مبكرا بسبب الظروف المادية القاسية الا اصغرهم سنا لازال يدرس في السنة الخامسة أساسي. وقبل انتقالهم الى هذا الكوخ منذ شهر تقريبا كانت العائلة تكتري بيتا قديما مهترئا بخمسين دينارا تدفع اجرته شهرا ويتغاضى عنها صاحبه اشهرا حتى اتفق ورثته على اقتسامه واخراج المكترين منه فتوجهت الى هذه الارض واقامت عليها كوخا ساعدها بعضهم في بنائه وحفر اسس منزل غير بعيد عن الكوخ في انتظار ان تمتد إليها ايادي اهالي الخير لمساعدتها.