فصل الطبّ بين الامراض النفسية والعقلية، والعصبية الا ان المجتمع التونسي لم يستطع الفصل بين هذه الامراض ذلك انه الى حد الآن يعتبر المريض النفسي الذي، يتّجه الى مستشفى الرازي بالضرورة انسانا غير عادي يجب ان نتعامل معه بحذر شديد وكم من فتاة فقدت حظوظها في الزواج بسبب ذهابها الى ذلك المكان وكم من طفل فقد مستقبله الدراسي لأن زملاءه تفطّنوا الى المسألة فلم يرحموه. وأمام هذه النظرة القاسية للمجتمع يقف المختصّون في حيرة من أمرهم فكيف يعالج المريض دون ان يتدخّل المجتمع ليزيد الامر تعقيدا؟ والى متى العزوف من قبل الاطار شبه الطبي على هذا الاختصاص؟ «الشروق» تحوّلت الى مستشفى الرازي للقيام بتحقيق حول الامراض النفسية والعقلية والتعرّف على أهمّ الاشكاليات العالقة بهذه الامراض وكيفية علاجها. التقينا الدكتور عفيف بوستّة استاذ مبرّز في الطب النفساني ورئيس قسم بمستشفى الرازي ورئس الجمعية التونسية للطب النفساني، إلتقيناه بقسم البشير صفر رقم 10 بعد ان قطعنا مسافة طويلة تفصل الباب الخارجي عن القسم. ولاحظنا في الاثناء بعض المرضى المقيمين يتجوّلون بين المساحات الخضراء الشاسعة التي تفصل الاقسام عن بعضها البعض وبعضهم يجلس على كراسي الحديقة صحبة العائلة التي اقبلت لزيارته. واستهلّ الدكتور حديثه الينا بتعريف الامراض النفسية والعقلية والعصبية حيث افاد ان الى حد الان يوجد خلط بين الاختصاص في المرضين رغم انفصالهما منذ مدّة طويلة وبصفة تدريجية. ومرضُ الاعصاب هو كل مرض عضوي يمسّ الجهاز العصبي والامراض العقليّة تعنى باضطرابات في الوظيفة العادية للعقل ويمكن ان تظهر هذه الامراض منذ الطفولة فتكون إمّا وراثية او خلقية او عند الكبر والشيخوخة من جراء «الخرف». أما الامراض النفسية فتنقسم الى 4 أقسام وهي العصاب والذهان واضطرابات المزاج واضطرابات السلوك والكآبة. وأضاف ان التونسيين هم اكثر عرضة للاصابة بالذهان والاضطرابات السلوكية. ويتميّز النساء بالاصابة بالعصاب واضطرابات في المزاج. أرقام وانطباعات أفاد الدكتور بوستّة انه في ظل غياب احصائيات وطنية حول الامراض النفسية والعقلّة يمكن الاستعانة باحصائيات المقبلين علي المستشفى للقيام بتفسير تقاربي للوضع. وذكر أن المستشفى قام سنة 2003 ب 11 ألف و172 عيادة خارجية يحتل فيها الرجال مرتبة الصدارة ب 7613 حالة والنساء 4556 حالة. وأقام بالمستشفى خلال نفس السنة 5083 مريضا منهم 3652 رجلا و1431 امرأة. وذكر من جهة أخرى ان الاشكاليات المطروحة بالنسبة للمستشفى تتعلّق بكيفية التعامل مع المرضى المقبلين على المستشفى من ناحية والتعامل مع عائلاتهم من ناحية اخرى حيث نجد صعوبة كبرى في اقناعهم باهمية العلاج. ورأى أن المجتمع التونسي الى غاية الساعة الحاضرة لازال يعتبر المستشفى وصمة عار على المقبل عليه ويتعامل مع كل روّاده بقسوة شديدة تقلل من مفعول الشفاء وأحيانا يخرج المريض بحال افضل فيعود الى المستشفى بعد اصطدامه بهذه القسوة اكثر تعقيدا من ذي قبل. أسباب وخلص الى القول ان الامر من وجهة نظرة المجتمع هي استقالة العائلة نفسها من المريض حيث تفضّل اقامته بالمستشفى على اندماجه بين افرادها حتى ان احد الاباء اقترح على الطبيب الاحتفاظ به وتوزيع اعضائه على من يريد». وأشار الى أن الامر أكثر حساسية لدى المرأة حتى أن نسبتهن في الاقبال على العيادات الخارجية اكثر بكثير من الاقامة بالمستشفى وذلك بسبب الخوف من العار والفضيحة والسيف الحاد الذي يمكن ان يسلّط عليها عندما يعرف المجتمع بالامر. وأضاف ان هناك نظرة أخرى علقت بالعلاج النفسي وهو ان الطب ليست له علاقة بالروحانيات وأن المنجّمين هم وحدهم القادرون على تقديم المعونة. واستشهد بأن 80 من المرضى المقبلين على المستشفى قالوا انهم ذهبوا الى «العزّام». ورأى الدكتور أن ملامح الحياة العصرية بما فيها من ضغوطات يومية وسرعة نسق الاحداث وروتين وغياب للكثير من القيم في مجتمعنا كثّفت من نسبة الاستعدادات للاصابة بالامراض النفسية والعصبية والعقلية. وامام هذا المعطى يفترض ان تتكاثف جميع الجهود من هياكل صحيّة ومجتمع مدني وغيرها للاهتمام بالجانب النفسي تماما كما الجانب الجسدي لأن الجسم السليم في العقل السليم والنفس المطمئنة الهادئة. وعن دور جمعية الطب النفسي التي يترأسها قال: «للاسف دورها لم يتجاوز حدود القيام ببعض الدورات التكوينية والمساهمة في التحسيس بسبب قلّة الامكانيات». علاج متداخل قال الدكتور «هناك نوعان من العلاج علاج نفسي عن طريق المحاكاة وعلاج بالادوية». ويتطلّب كل نوع من هذه الانواع المثابرة لضمان الشفاء لكن الملاحظ ان الكثيرين يقطعون مع العلاج فتسوء حالتهم ويصبح الطبيب مطالبا بمجهود اكبر. وأضاف ان الاشكالية الاخرى تتعلق بطول مدة اقامة المريض في حال رفض اهله له وعدم قدرته على خلاص مصاريف الاقامة حيث تسبب حرجا واضحا للمستشفى. وتتعلّق الاشكالية الثالثة بالنفور من التوجه الى الطبيب النفسي للعلاج حيث تبيّن بعد اجراء دراسة بولاية اريانة أن 10 من المرضى يعانون من الحزن من بينهم 90 لم يتوجّهوا ولو مرّة واحدة الي الطبيب النفسي. الاطار شبه الطبّي: عنف لفظي وجسدي من المريض وعائلته ونفور من الاختصاص يصعب على الاطار الطبي احيانا التعامل مع المريض الذي يقصد مستشفى الرازي ذلك ان هذا الاخير يرفض الاقامة في المرة الاولى فيصاب بهستيريا وحالة هيجان تصل حسب السيد فرجاني العجنقي (ناظر ثلاثة اقسام) والسيد محمد علي الهاني ممرّض رئس وناظر لقسم الى العنف اللفظي والجسدي. وأضافا ان العنف لا يكون من قبل المريض فحسب بل في العديد من الاحيان من طرف العائلة أيضا. وذكر كل منهما انه مع العائلة تحدث عديد الطرائف حيث تصطحب الزوجة أحيانا زوجها للاقامة بالمستشفى فيأتي اخوته في ا ليوم الموالي في حالة هيجان متّهمين المستشفى بالتواطؤ مع هذه الزوجة. وحدث ايضا ان العائلة الواحدة تختلف في امر قبول اقامة المريض بالمستشفى فيحدث خصام وشجار بينهم واعتبر كل منهما باعبتار خبرة سنوات عديدة أن هدوء الاعصاب وسعة الصدر هي المفتاح امام هذه الحالات. وان استعصى الامر يتمّ استعمال الحبل الرابط الصحي لتهدئة المريض. أما العلاج بالكهرباء فهو علاج يحتاج الى مختصّين في «التبنيج» وهم غائبون عن القسم. وعن اقبال الممرضين على هذا الاختصاص قال: «ليس هناك اقبال على العمل بمستشفى الرازي لان العقلية لم تتغيّر وظلّ كل ممرّض يهرب لأي مستشفى اخرى. نزيهة بوسعيدي