نظر أحد قضاة التحقيق بالمكتب 13 في قضية ارتكاب جرائم استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه ولغيره والإضرار بالإدارة ومخالفة التراتيب طبق الفصول 32 و96 و83 و84 و91 من المجلة الجزائية.
القضية رفعها صاحب الشركة الوطنية لتجارة المواد الأولية اختصاصها التجارة في جميع المواد وهي مصدرة كليا لمادة الاسمنت للقطرين الليبي والجزائري ضد شركة الاسمنت وعن ملابسات الواقعة وفق التحقيق المجرى فإن الشاكي تمّ اعتماده كحريف من قبل شركة الاسمنت المعنية وكانت عملية التزود بكميات متفاوتة وغير مستقرة بحكم أن الأمر كان يخضع لرغبة المدير التجاري آنذاك (المظنون فيه الأول) والذي يعد المخاطب المباشر لكل حريف يرغب في التزود بمادة الاسمنت وهو من يقرّر تلبية مطالب التزود أو يرفضها وذلك عن طريق تسليم الحريف لفاتورة مبدئية يطلب منه خلاص معينها قبل التزود بالكمية المطلوبة.
وتمثلت التهمة الموجهة في هذا المستوى أنه لم تكن هناك معايير موضوعية بشأن الكميات المتوفرة والقدرة في التزود كما أنه لم يقع ضبط نظام حصص معينة يمكن لكل شركة معتمدة الانتفاع بها كما لم يقع إبرام أي اتفاق مع الشركة المذكورة بما يمكنه ضبط ومعرفة الكمية المسموح بها بالتزود مسبقا حيث أكد الشاكي أثناء التحقيق أنه تقدم بمطلب التزود بعشرة آلاف طن من الاسمنت شهريا إلا أنه لم يكن يتسلم الكميات التي يرغب بالتزود بها إلا حسب مشيئة المدير التجاري المذكور الذي اكتشف أنه كان يرغب في الحصول على منافع مختلفة لقاء تسهيل عملية تزوده بالكميات التي كان يروم تصديرها الأمر الذي لم يعره الشاكي أهمية كبيرة في بادئ الأمر إلى حدود شهر مارس 2008 إلى أن أصبحت مطالب التزوّد بمادة الاسمنت التي يتقدم بها للمدير التجاري المذكور مرفوضة كليا.
تعليمات شفاهية
وباتصال الشاكي بالمتهتم (المدير التجاري) للاستفسار أعلمه أنه تلقى أوامر وتعليمات شفاهية من الرئيس المدير العام مفادها ضرورة الاقتصار على التعامل مع بعض الشركات المعينة التابعة لأقارب وأصهار الرئيس السابق ومنها خاصة شركة تم اعتمادها مؤخرا كحريف وهي شركة «صدربعل» باعتبارها شركة تجارية دولية مقيمة يديرها المدعو «أحمد ناصف» ابن شقيقة ليلى الطرابلسي وبذلك تم استبعاد شركة الشاكي من قائمة المعتمدين بشركة الاسمنت المعنية وبحكم أنه كان مرتبطا بعقود تزويد مع حرفاء ليبيين كانوا قد دفعوا له تسبقة بقيمة 500 ألف أورو كثمن بضاعة كان من المفروض عليه تزويدهم بها في الأشهر اللاحقة اضطرّ إلى التزوّد بمادة الاسمنت بسعر أرفع بكثير من الشركات التي بقيت معتمدة وكلها تابعة لأصهار وأقارب الرئيس السابق.وهذا ما كان وفق تعليمات صارمة من أصهار المخلوع خلال شهر أفريل 2008 الأمر الذي كبّد المتضرر خسائر جمّة نتيجة تقلص هامش الربح الذي وصل الى حدود الصفر في بعض الحالات نتيجة ارتباطه بعقود تزويد وهذا موثق في وثائق رسمية.
اتصالات ومساومةوفي مارس 2008 اتصل به صاحب شركة الاسمنت «صدربعل» وأعلمه انه تم تخصيص شركته بحصة تصدير أسبوعية لمادة الاسمنت قدرها 2000 طن من معمل اسمنت بنزرت وكمية تتراوح بين 1500 و2000 طن أسبوعيا من معمل الاسمنت وأدلى له بوثائق تؤكد ذلك وبحكم ان الشاكي لم تكن له الأموال الذاتية الكافية ولا دراية له بسوق تصدير مادة الاسمنت وليست له علاقات بحرفاء أجانب فقد عرض عليه صاحب الشركة «صدربعل» ان يحيل له تلك الحصص مقابل حصوله على عمولة قدرها أربعة عشر ألف دينار أسبوعيا فقبل الشاكي لأنه مضطر لتوفير الكميات التي تعهّد لحرفائه تزويدهم بها وهو الخيار الوحيد الذي بقي له للوفاء بالتزاماته بعد ان تم استبعاد شركته من قائمات الشركات المرخص لها بالتزوّد مباشرة من مصنع الاسمنت المشتكى به وبذلك اصبح يدفع اسبوعيا مبالغ مختلفة لفائدة شركة «صدربعل» في شكل صكوك بنكية مسطّرة بعنوان خلاص ثمن البضاعة التي كان يرغب في التزوّد بها بحكم ان هذه الأخيرة (شركة صدربعل) كانت تشتري الاسمنت باسمها الخاص بأموال الشاكي الذي كان يدفع لها مسبقا ثم تتولى شركة «صدربعل» استخلاص معين الصكوك وتحرر بدورها صكوكا مسطّرة باسمها لفائدة المعمل.
واثر ذلك تتولى القيام بالتصاريح الديوانية اللازمة قصد تصدير الكمية المتزوّد بها.وبعد مضي فترة صغيرة وجد المتضرر نفسه أمام عديد الاشكاليات مع إدارة الديوانة التي كانت تستفسره عن سبب عدم تصدير شركة «صدربعل» لمادة الاسمنت مباشرة مما جعله يضطر لتكوين شركة ثانية أطلق عليها اسم شركة «ابسيلون للتجارة الدولية» وهي شركة مصدّرة كليا وحصل على ترخيص في ذلك من مركز النهوض بالصادرات مما مكنه من شراء حصص شركة «صدربعل» دون ان تعترضه اي اشكاليات مع الديوانة وقد سارت الأمور شهرين الى أن علم المدير التجاري بأن الشاكي اصبح حريفا لشركة «صدربعل» ويتزوّد بالاسمنت من المعمل مباشرة باعتماد الحصة الممنوحة لهذه الأخيرة. فتعرض الشاكي لعديد العراقيل وتعطيل إداري عن قصد مثل انتظار دور الشحن مدة تفوق ستة أيام مما يكبّده مصاريف وتكاليف إضافية خاصة فيما يخص أجرة النقل .
وقد صرّح الشاكي انه اتصل بالمتهم مباشرة وطلب منه التعجيل بقضاء حاجته لتصبح العملية في النهاية مساومة.فمقابل اعطاء أولوية الشحن يُسلم الشاكي هدايا ثمينة تحت «وطأة الضغط والاكراه المعنوي» بالرغم من أن تمتعه بالأولوية حق من حقوقه خاصة وأنه قد أتم خلاص ثمن البضاعة مسبقا وتعددت طلبات المظنون فيه وأصبحت شبه أوامرمثل دفع تكاليف علاج شقيقته التي كانت مصابة بمرض عضال بمصحة خاصة ودفع مبلغ 5472 دينارا وهذا بمقتضى صك بنكي موجود في ملف الشاكي، بالاضافة الى تمكين المتهم من سيارة من نوع «بولو» ثمنها يفوق 33 ألف دينار، كما قدّم له في مناسبة ثانية وتحت الضغط 10 آلاف دينار طلبها المظنون فيه مقابل التعجيل في عملية الشحن.
إختلال وأسعار
وتواصلت المساومات في مناسبات عديدة ففي كل عملية شحن هناك مقابل يدفع في آجال محدّدة.وإبّان ثورة 14 جانفي وبعد فرار المخلوع كاتب الشاكي وزارة الصناعة ووزارة التجارة ومصالح الديوانة ووكالة النهوض بالصادرات حول موضوع التزوّد الذي كان حكرا على «الطرابلسية» فتم تمكينه من كمية قدرها 12 ألف طن انطلاقا من انتاج شركة الاسمنت المعنية وكان ذلك في فيفري 2011 الا أن المتهم لم يمكنه من الحصة الممنوحة وأعلمه بأنه أصبح يشغل مديرا مستشارا لدى الرئيس المدير العام المكلف بالأمور التجارية وقرّر مع المدير التجاري الجديد (المظنون فيه الثاني) استبعاد شركات التجارة الدولية من التدخل في عملية تصدير الاسمنت الى القطر الجزائري فلم يجد الشاكي حلا أمامه سوى الالتجاء الى عدول منفذين لحسم الأمر ولكن دون جدوى.
وبتاريخ أفريل 2011 شهدت أسعار الاسمنت بالسوق المحلية ارتفاعا غير مسبوق بالرغم من أنها مسعّرة وذلك نتيجة اختلال في مسالك التوزيع واحتكار البعض من التجّار الذين كانوا يتعاملون بصفة مريبة مع الادارة التجارية للمعمل المتضرّر الذي عجز عن مجابهة الخصوم وتكبّد خسائر مالية جمّة وخسارة فادحة.لسان دفاع المتضرّر أكّد على التهمة الموجهة للمظنون فيهما وهي استغلال موظف عمومي صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه ولغيره والاضرار بالادارة، ومخالفة التراتيب المنطبقة على العمليات لتحقيق الفائدة، طبق الفصل 93 من المجلة الجزائية.
وتجدر الاشارة الى أن الشاكي أصبح متهما كذلك في هذه القضية وقد وجّهت له تهمة ارشاء موظف عمومي لفعل أمر من علائق عمله ولو كان حقا وهذا ما وثّق وفق وثائق رسمية واعترافات المظنون فيهما. خفايا القضية كشفت عن ملفات سريّة لازال التحقيق جاريا فيها...خفايا عن مافيا الطرابلسية فصول من الفساد قرئت وأخرى لم تكتب بعد...