واصلت أمس المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بالكاف النظر في قضية شهداء تالة والقصرين والقيروان وتاجروين والكاف في جلسة ثامنة وسط جدل واسع بين محاميي المتهمين والمتضررين والمحكمة حول مزيد تاخير القضية إلى جلسة تاسعة. وللتذكير فان القضية تهم 23 شهيدا وأكثر من 600 جريح ومتورط فيها 22 متهما منهم الرئيس المخلوع ووزيري الداخلية الاسبقين رفيق الحاج قاسم واحمد فريعة إضافة إلى مدير الامن الرئاسي سابقا علي السرياطي وعدد من الكوادر الامنية على غرار عادل التويري ومنصف كريفة ومنصف العجيمي وجلال بودريقة إضافة إلى أعوان أمن. منذ انطلاق الجلسة بدا واضحا أن المحامين القائمين بالحق الشخصي (محاميو المتضررين) اتحدوا على طلب تأخير القضية إلى جلسة اخرى بعد أن كان في الحسبان أن تكون جلسة أمس لبداية المرافعات في الاصل.
واكتفى محاميو المتضررين خلال الجلسة الصباحية بتقديم طلبات وملحوظات شكلية دون تقديم الطلبات المالية. وحضر المكلف العام بنزاعات الدولة في حق الدولة التونسية وقال أنه يفوض النظر للمحكمة في ما يتعلق بالتعويضات المالية شريطة ان تكون تعويضات عادلة وتأخذ بعين الاعتبار التسبيقات التي حصل عليها اهالي الشهداء والجرحى سابقا . اما محاميو المتهمين فقد خُصّصت لهم الجلسة المسائية لإبداء ملاحظاتهم حول طلبات التأخير التي تقدم بها محاميو المتضررين، وقد تمسكوا برفض التأخير وعبروا عن استعدادهم للشروع في المرافعة في الاصل شأنهم شأن ممثل النيابة العمومية.
تأخير
أكدت مداخلات القائمين بالحق الشخصي أنه من الافضل مزيد تأخير القضية لجلسة اخرى لأنها في رايهم غير جاهزة للفصل الآن وان أعمال التحقيق والبحث التي تمت لحد الآن منقوصة. وطلبوا بالخصوص من المحكمة مزيد البحث والتحري لكشف حقائق أخرى هامة لا تزال في رأيهم مخفية. وقالوا في هذا الاطار أنهم ليسوا ضد الاسراع في البت في القضية عكس ما يعتقده البعض لكنهم ضد التسرع لأن القضية تاريخية والمسؤولية الملقاة فيها على عواتقهم وعلى عواتق محاميي المتهمين و المحكمة كبيرة. وقال الاستاذ محمد الرحيمي (أحد محاميي المتضررين) أنه لا بد من انتظار نتائج تحقيقات وابحاث فتحتها السلطات المعنية حسب ما جاء في وسائل الاعلام وسيتم خلالها اجراء تحاليل باليستية (على الاسلحة والذخيرة) واعادة فحوصات على الجرحى وذلك في إطار ملف ما يُعرف بالقناصة.
كما طالب محامون بالتأخير حتى يتسنى استكمال الابحاث في القضايا الجديدة المفتوحة ( 6 قضايا) والتي تهم بشكل مباشر قضية الحال وهي قضايا احداث القيروان وتاجروين والقصرين المدينة على ان يقع ضمها لقضية الحال فيما بعد.
الضغط على الداخلية
قال محامون قائمين بالحق الشخصي ان المحكمة لا زالت لم تستجب بعد لعدة طلبات سبق ان تقدموا بها في جلسات سابقة ومنها خاصة طلبات الاطلاع على وثائق ودفاتر بحوزة وزارة الداخلية ومتعلقة بتوزيع الاسلحة والذخيرة على رجال الامن أيام الثورة ، وهي عبارة عن وثائق رسمية تهم الارشيف الوطني و منظمة بمناشير وقوانين لا يمكن تجاوزها و هي بكل تاكيد موجودة اليوم بوزارة الداخلية ويمكن للقضاء العسكري بفضل ما لديه من سلطة ان يطلب الاطلاع عليها.
وعبروا بالتوازي مع ذلك عن استغرابهم من رفض وزارة الداخلية مد القضاء العسكري بهذه الوثائق وهو ما يؤكد حسب أحد المحامين أن هناك اطرافا لا تزال نافذة إلى اليوم بوزارة الداخلية تحول دون الكشف عن هذه الوثائق حتى لا تتضرر مصالحها او مصالح مقربين منها . وحسب رأيهم فانه بفضل هذه التقارير وحدها يمكن كشف كل من اطلق الرصاص على المتظاهرين ومن أعطى الاذن بذلك.
واستظهر المحامي شرف الدين القليل في هذا السياق بنتائج دراسة قال انه اجراها مؤخرا بالتعاون مع اطراف مطلعة أكدت له بما لا يدع مجالا للشك انه لا يمكن في تنظيم وزارة الداخلية اطلاق رصاصة واحدة دون ان تكون أغلب القيادات الامنية بمن في ذلك الوزير على علم بذلك وقال انه لا بد من الاطلاع عليها من المحكمة.
تقرير لجنة بودربالة
دار جدل قانوني بين المحامين القائمين بالحق الشخصي من جهة ورئيس هيئة المحكمة من جهة أخرى و محاميي الدفاع من جهة ثالثة حول الاعتماد في هذه القضية على تقرير لجنة استقصاء الحقائق (لجنة توفيق بودربالة) الذي قيل أنه سيُسلم خلال الاسبوع القادم لرئيس الجمهورية ويمكن آنذاك الاطلاع عليه واعتبر محاميو المتضررين انه لا بد من انتظار صدور هذا التقرير للاطلاع على ما سيكشفه من حقائق حول أحداث الثورة عساها تساعد المحكمة على حسن البت في القضية . غير ان رئيس الجلسة تساءل عن القوة القانونية لهذا التقرير ومدى تأثيرها على المحكمة في ما يتعلق بإدانة متهم او تبرئة آخر . واعتبر المحامون ان التقرير له قوة قانونية كبرى يستمدها من مرسوم فيفري 2011 الذي احدث لجنة استقصاء الحقائق ، فهذا المرسوم نابع من إرادة دولة برمتها في كشف الحقائق وفي التاسيس للعدالة الانتقالية ولا يمكن بالتالي ان نتصور أنه سيكون مجرد أوراق مكتوبة بل سيكون وثيقة رسمية من وثائق الدولة . كما ان المرسوم المذكور أشار في مطلعه إلى استناده على المجلة الجزائية وعلى مجلة الاجراءات والمرافعات الجزائية وفي ذلك إحالة حسب رأيهم للقضاء.
غير ملزم للمحكمة
قال محاميو الدفاع انه لا يمكن الاستناد لهذا التقرير لان لجنة استقصاء الحقائق ليست قضائية بل إدارية وتقريرها هو مجرد قرينة يمكن للمحكمة فقط الاستئناس بها . فضلا عن أن تقريرها لم يحرره من له صفة الباحث الجزائي بل صفة الباحث « السياسي» لأن اللجنة في رأيهم سياسية. وإضافة لذلك فهم يرون ان التقرير ليست له قوة اجرائية للتأثير على الاجراءات وعلى الآجال امام المحكمة لذلك لا يمكن تأجيل المرافعات لانتظار صدور هذا التقرير الذي طال انتظاره كثيرا دون ان تقدم اللجنة أية توضيحات عن الموعد الرسمي لإصداره.
الجميع ملّ التأخير
بهذه العبارات رد محاميو المتهمين على محاميي المتضررين، معتبرين ان الجميع ملّ الطلبات المتكررة لتأخير النظر في القضية بمن في ذلك المتهمين الموقوفين وكذلك المحالين بحالة سراح ومحامييهم وعائلات الشهداء والجرحى . وتساءل محامي أحد المتهمين عن اسباب الابقاء على منوبيهم بحالة ايقاف ما دامت القضية تتأجل باستمرار وقال انه لا بد في هذه الحالة من تمتيعهم بالإفراج المؤقت إلى حين تثبيت موعد بات ونهائي للشروع في المرافعات في الاصل . واعتبروا بالخصوص أن طلبات التأخير المتكررة التي يتقدم بها في كل جلسة محاميو المتضررين لتقديم طلبات إضافية شكلية أدخلت القضية في دوامة لا نهاية لها وفي حلقة مفرغة . و تساءل احد المحامين عن سبب كل هذا الإصرار من محاميي المتضررين على التأخير والحال انه توجد عدة حلول ومخارج اخرى على غرار المطالبة بفتح قضايا جديدة وايضا امكانية استئناف الحكم الابتدائي إذا رأوا انه غير وجيه.
واجمع محاميو الدفاع عن المتهمين على انهم جاهزون للترافع في الاصل شأنهم شأن ممثل النيابة العمومية الذي اعتبر ان طلب التأخير غير وجيه خاصة في ما يتعلق بانتظار تقرير لجنة تقصي الحقائق و قال انه لا يعقل أن يبقى القضاء رهين انتظار صدور هذا التقرير أمام الغموض المحيط بموعد إصداره.
انتظار
بعد المفاوضة قررت المحكمة، الاستجابة لطلب محاميي المتضررين وقررت تأخير القضية إلى جلسة 7 ماي القادم وذلك لمكاتبة لجنة تقصي الحقائق (لجنة بودربالة) ورئاسة الجمهورية قصد الحصول على التقرير الذي أعدته اللجنة. و قبل حلول موعد الجلسة القادمة سيكون بامكان المحامين الاطلاع على الاحكام التحضيرية. وطلبت المحكمة من المحامين القائمين بالحق الشخصي (محاميو المتضررين) تقديم طلباتهم المالية في اجل أقصاه يوم 7 ماي. وقد رفضت المحكمة جميع مطالب الافراج المقدمة .