عادت الدعوات إلى منع المنتسبين إلى التجمع المنحلّ و»الدساترة» عموما من ممارسة الحياة السياسية لتطفو على السطح عبر مشروع قُدّم إلى المجلس التأسيسي... من هم «الدساترة» و«التجمعيون» المرشحون للمنع من خوض الانتخابات القادمة؟ ما هي خلفيات هذا المشروع وما مدى قانونيته؟ وقد تقدم عدد من نواب المؤتمر من أجل الجمهورية بالمجلس التأسيسي بمكتوب رسمي إلى رئاسة المجلس، يقترحون مشروع قانون لتنقيح المرسوم عدد 87 لسنة 2011المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، بإضافة فقرة للفصل السابع من المرسوم تقضي باستثناء من تحمل مسؤولية سياسية في حزب التجمع المنحل من المشاركة في الحياة السياسية لمدة خمسة سنوات من تاريخ المصادقة على هذا التنقيح. وجاء في مشروع التنقيح التنصيص على منع المشاركة في الحياة السياسية على «كل أعضاء الحكومات في الفترة الممتدة بين 7 نوفمبر 1987 و14جانفي 2011 وكذلك كل من تحمل المسؤوليات التالية في التجمع الدستوري الديمقراطي:أمين عام، أو أمين عام مساعد، أو عضو ديوان سياسي، أو عضو لجنة مركزية، أو كاتب عام لجنة تنسيق، أو كاتب عام جامعة، أو رئيس شعبة، يقع استثناءهم من العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات وذلك لمدة 5 سنوات من صدور هذا القانون.» وقد أمضى على هذا المقترح النواب عن المؤتمر سمير بن عمر، عمر شتيوي، عبد الوهاب معطر عماد الدايمي، طارق العبيدي، سامية عبو، هيثم بلقاسم، الهادي بن عباس، نوفل الغريبي، إقبال مصدع ومبروكة مبارك. محاسبة أم انتقام؟ وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من تصريحات لرئيس حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي دعا فيها «الدساترة» إلى الاعتذار وتصريحات لرئيس الحكومة أكّد فيها أنّه لن يُسمح لهؤلاء بالعودة من الشباك بعد أن غادروا الساحة السياسية من الباب. وقال النائب عن حزب المؤتمر أزاد بادي (الذي لم يوقع على المشروع) إنه من الضروري أن نميّز بين رموز التجمع الذين ساهموا بشكل فعّال في عهد بن علي ورعوا الفساد وبين الذين كانوا مواطنين عاديين. وأضاف بادي أن إقصاء رموز التجمع مطلب يحظى بقاعدة كبيرة من الشعب التونسي، وأنّ المؤتمر تقدّم بهذا المقترح وهو يشهد انقساما حيث لم يطرح الموضوع للنقاش (أي على الشق المؤيد للأمين العام عبد الرؤوف العيادي). وأكّد النائب عن المؤتمر أنّ «مسألة المحاسبة والمصالحة دقيقة وقانونها لم يصدر والشعوب التي اتخذت مسار المحاسبة لم تخرج من هذا المستنقع إلّا بعد سنوات» معتبرا أنّ تحديد الأطراف التي أضرت بمصلحة البلاد عملية صعبة لا ينبغي التسرّع فيها لأن البلاد لا تتحمّل المزيد من الفوضى وأن من الضروري تحديد الآليات القانونية للمحاسبة حتى لا تُظلم أطراف وتدفع ثمن اخطاء غيرها». مسؤولية سياسية وأخلاقيّة عن الأخطاء والجرائم وعلّق القيادي في حركة «النهضة» العجمي الوريمي على المقترح الذي تقدّم به نواب من المؤتمر بأنه لقي صدى إيجابيا لدى نواب «النهضة» و«التكتل»، موضحا أنّ المقصود هم أولئك الذين تورّطوا في الفساد والاستبداد ويتحمّلون المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الأخطاء والجرائم المرتكبة خلال المرحلة المنقضية من سرقات واستغلال نفوذ وغير ذلك. واعتبر الوريمي أنّ هؤلاء «لا يمكن أن يكونوا الجهة التي تصلح أو تجرّم الماضي لأنهم سيتسترون على تلك الأخطاء لحماية أنفسهم ومن يحمي الفساد يؤسس لاستمراريته». وأوضح الوريمي أنه «لا توجد صيغة واحدة للتعامل مع ملف التجمعيين (القصاص والمحاسبة) بل هناك صيغ أخرى كالعدالة الانتقالية التي هي من أولويات الحكومة» معتبرا أنّ مقترح المؤتمر «مبني على مخاوف من عودة فلول تجمعية وغايته سدّ الذرائع لحماية مسار الثورة من الاختطاف والانحراف ويأتي انسجاما مع روح الثورة لكن البعض يتناسى أن هذا مطلب شعبي رفعته الثورة». العاملون مع بن علي وفي السياق ذاته قال الناطق الرسمي لحزب التكتل محمّد بنور إن التجمعيين الذين عملوا مع بن علي وكانوا متحمسين لمشروعه ومتحالفين مع الدكتاتورية والاستبداد لا مجال لعودتهم بعد أن قال لهم الشعب «ديقاج». وأضاف بنور «ليس من المعقول أن يطالب الشعب بحلّ التجمع ليعود اليوم من الشباك ولكن يجب أن نميّز بين من كانوا يقومون بالحملة الانتخابية لبن علي وزوجته ومن كانوا مجبرين على الانخراط في التجمع لأن الوجوه التي بررت الاستبداد وقوّته يجب ألّا تعود إلى الساحة السياسية». وردّا على سؤال حول كيفية تنفيذ هذا التوجه قال بنور إنه «يجب فتح حوار وطني حول الموضوع يشارك فيه الجميع ونسمع رأي الناس ويتولى المجلس التأسيسي مناقشة الموضوع» مشيرا إلى أنّ تونس عاشت على امتداد نصف قرن «طغى فيه الدستوريون حتى كادوا يحوّلون البلاد إلى كوريا الشمالية». تحفّظات واستغراب في المقابل اعتبر قال رئيس حزب الوطن الحر محمّد جغام إنه ينظر إلى هذه الخطوة على أنها «مسّ من حقوق الإنسان» قائلا إنّ «ما نراه غريب جدّا فكأنهم يواصلون ارتكاب التجاوزات التي حصلت في السابق». وقال جغام «أنا خرجت من التجمع وتم إقصائي منه منذ 2001 واليوم يقع إقصائي ثانية وثالثة، ولست أدري هل يندرج هذا الإجراء في باب العقوبة أم التخويف... فما ذنبنا حتى يعاقبونا هل لأننا عملنا مع النظام السابق؟ فلسنا نحن من اخترنا ان نكون مع التجمع ونحن في النهاية كنّا نخدم البلاد ولم نخدم بن علي». وأكد جغام أن «هذا الإقصاء في غير محلّه وقد كنا نعتقد ان هذه الممارسات قد انقضت مع العهد البائد ولكن للأسف لا نزال نراها إلى اليوم».