في عمل رجل الأمن أثناء مواجهة المظاهرات والتجمعات الاحتجاجية الشعبية، توجد موازنة صعبة بين ضرورة حماية المصلحة العامة من جهة وضمان الحقوق والحريات الفردية من جهة أخرى... نظمت وزارة الداخلية بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الانمائي يوما دراسيا حضره خبراء ومختصون في مجالات حقوق الانسان والحريات الفردية والعمل الأمني، موضوعه «كيفية التعامل مع التجمعات السلمية والتجمهرات: من أجل حماية مشتركة للمواطن ولرجل الأمن».
وأجمع المتدخلون على أنه آن الأوان لإحداث تغيير جذري في مختلف الآليات القانونية والبشرية والمادية واللوجيستية للتعاطي الأمني مع التجمهر السلمي للمواطنين في الاماكن العامة الذي تزايد عدده بعد الثورة . و بحسب الملاحظين، فان هذا الجزء من العمل الأمني كان قبل ثورة 14 جانفي محكوما بتدخل السلطة السياسية التي غالبا ما تفرض نموذجا يُقزّم المتظاهر ويقمعه وهو ما يزيد عادة في تأجيج الاوضاع بدل فضّها . وضع صعب لرجل الامن مثلت ثورة 14 جانفي منعرجا هاما في حياة التونسيين بصفة عامة ورجال الأمن بصفة خاصة حيث تميزت الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد بتزايد الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات التي يطالب خلالها المواطنون بالمزيد من الحريات التي طالما حرموا منها سابقا. وأمام هذا الاكتساح الشعبي للأماكن والطرقات العامة وتزايد الاعتصامات، وجدت المؤسسة الامنية نفسها أمام موازنة صعبة : حماية المصلحة العامة للبلاد والممتلكات والأمن العام من جهة وضمان الحقوق والحريات الفردية، خاصة حق التعبير، من جهة اخرى .
وقد جاء في تقرير اليوم الدراسي أن رجال الامن وجدوا انفسهم ممزقين بين متطلبات المجتمع والسلطة المنتخبة خاصة في ما يتعلق باحترام حقوق الانسان من جهة، وواقع العمل الذي يعيشونه والذي يتميز بنقص في التكوين والتدريب والوسائل والتجهيزات وبضبابية في تحديد المهام والمسؤوليات عند عمليات حفظ النظام من جهة أخرى . تحسين الاداء الأمني
ذكّر التقرير بمساعي الدولة حاليا لتطوير أداء المؤسسة الامنية خلال تعاملها مع التظاهر والتجمهر على غرار بعث لجنة مراجعة قانون 1969 المتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر. وحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الاحداث والتجاوزات التي عرفتها البلاد منذ 17 ديسمبر 2010، ثبت أن حق المواطن في التظاهر والتجمهر لم يكن مكرّسا قانونيا بصفة دقيقة وقد كشف تطبيق القانون الذي ينظّمه (القانون عدد 4 لسنة 1969) به نقائص عديدة فهو لا يوفّر الحماية لا للمواطن من جهة، ولا لعون الأمن الذي يطبّقه من جهة أخرى. وهذا ما يفسح مجالا واسعا للتجاوزات والخروقات ويكرّس إمكانية قمع المواطنين ومنعهم من حقهم في ممارسة التظاهر والتجمهر. كما أنه لا يوفر حماية للأمنيين الميدانيين الذين وجدوا أنفسهم خلال الأحداث الأخيرة بين تنفيذ الأوامر وممارسة مهامّهم وبين حماية أنفسهم من التهم التي يمكن أن توجه إليهم .
اجراءات موحدة
تنقيح هذا القانون غير كاف لوحده في نظر الملاحظين لرفع اللبس والضبابية الذين يحيطان بالعمل الأمني ولا بد من سن نصوص قانونية أخرى تحدد مختلف المتدخلين في عملية مجابهة الاجتماعات العامة وتحدد هيكلتهم التنظيمية ومختلف الحلقات القيادية ومسؤولية كل منها وتضبط الاجراءات العملياتية الموحدة التي توحد طرق التدخل والتجهيزات المستعملة ومناهج تكوين الاعوان مما يساهم في الرفع من مستوى الحرفية لدى الأعوان وجودة الخدمات المقدمة للمجتمع. تدرج
إلى جانب لجنة تنقيح قانون 1969، تم بعث لجنة تعمل على وضع آليات عمل ناجعة ومحترمة لحقوق الانسان لدعم عمل الوحدات الامنية النشيطة في مجال حفظ النظام . وقامت هذه اللجنة بتحديد الاجراءات العملياتية الموحدة بين كل الوحدات الامنية والتي تتوزع على 4 محاور أساسية وهي: ضبط التعامل مع التظاهر والتجمهر: تحديد المتدخلين ومهامهم ومسؤولياتهم قبل الحدث بساعات قليلة وأثناء الحدث وبعده بساعات. استخدام الاسلحة النارية : تحديد الحالات التي يمكن فيها لاعوان الامن استعمال السلاح الناري أثناء أداء مهامهم إلى جانب السيرة المتبعة عند اطلاق الرصاص بصورة لاإرادية وعند اطلاق النار دون حصول اصابات وعند حصول اصابات او سقوط ضحايا . استعمال المثيرات الكيمياوية ( مثلا الغاز المسيل للدموع ): تحديد المهام والمسؤوليات والسيرة المتبعة. استعمال بنادق 40 مم ذات الذخيرة المطاطية : تحديد المهام والمسؤوليات وتمّ تحديد جدول بياني لمختلف مراحل استخدام القوة حسب الموقف الذي يتخذه المتجمهرون. توصيات
أوصت لجنة تقصي الحقائق بضرورة أن يتضمن القانون الجديد تحديدا لواجبات المواطن أثناء التجمّعات والمظاهرات بكلّ دقّة وبيان الاجراءات المسبقة المحمولة عليه ضمانا لحصوله على حقوقه. و أيضا تحديدا لدور عون الأمن وتحديد طريقة تعامله مع المتظاهرين، والواجبات المحمولة عليه تجاههم وبيان صور تدخّله والوسائل التي بإمكانه استعمالها أثناء التدخّل .
وأضاف التقرير أن العديد من البلدان التي مرّت بتجارب مشابهة لما عرفته بلادنا أدخلت تنقيحات هامة على القوانين التي تنظّم التجمع والتظاهر وجعلتها مواكبة للتشريعات الدولية ومتماشية والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، وأوصت اللجنة بالاستئناس بها .
و بكل تأكيد فانه لا يمكن تصور نجاح هذا التطوير في العمل الأمني دون توفير الامكانيات والتجهيزات المادية اللازمة لرجل الأمن ودون اعطاء اهمية بالغة للتكوين المتطور والعصري داخل المدارس الامنية، وهو ما يتطلب بلا شك اعتمادات مالية هامة على ذمة وزارة الداخلية .