مازال بعض الاعلاميين التونسيين يعانون من سوء فهم لمصطلح حريّة الاعلام بل ان المفاهيم تداخلت لديهم حتى أن اخلاقيات المهنة غابت داخل بلاتوهاتهم. تدنّى مستوى برامج الواقع التي اتخذتها بعض المحطات التلفزية التونسية وسيلة لشد المشاهد الى درجة أنها تحوّلت الى تجارة واضحة بأعراض ومشاكل وهموم الناس مستغلّة في ذلك بعض القلوب الضعيفة والعقول الساذجة سواء من المشاهدين أو المشاركين الذين يرون في هذه البرامج النموذج الراقي والأنجع لمعالجة قضاياهم ومشاكلهم.
وإن استطاعت هذه البرامج على غرار «المسامح كريم» علىقناة حنبعل و«عندي ما نقلك» على التونسية المساهمة في مساعدة بعض الحالات الاجتماعية واخراجها من بوتقة الفشل واليأس فانها من جانب آخر تساهم بشكل كبير في بث الفتنة وهدم القيم والتشجيع على الانحطاط الأخلاقي.
فالمشاهد مازال يعيش هذه الايام على وقع ما حصل ليلة الجمعة الفارطة في بلاتو «المسامح كريم» الذي تحوّل الى حلبة مصارعة اشتباكات بالأيدي وكلام بذيء على مسمع ومرأى متتبعي هذا البرنامج. ولتذكير منشط البرنامج فإن هذا الأسلوب يتنافى وأخلاقيات المهنة.
وما زاد الطين بلّة هو طريقة إدارة الحوار التي انتهجها المنشط والتي زادت في اشعال فتيل الصراع القائم بين الطرفين.ومن جهته لم يستطلع علاء الشابي التخلي عن أسلوب الاثارة والمتاجرة بأعراض الناس في حلقة مساء الاربعاء من برنامج «عندي ما نقلك» فبعد أن عمل منذ البداية على شد المشاهد بتمرير بعض المشاهد من ملاحقته وفريق برنامجه في منطقة الحامة وكسر بلوّر سيارته قدّم علاء الشابي في بلاتو «عندي ما نقلك» حالة اجتماعية قد تخصّ فئة معيّنة من مجتمعنا التونسي لكن لا تمثله والمؤسف أن منشّط البرنامج والجمهور الذي حضر معه في البلاتو تعاملوا مع تلك الحالة بالضحك الذي تكرّر أكثر من مرّة عندما كانت الزوجة تتهم أخت زوجها بدفعها الى الدخول في «الميدان» على حد تعبير الزوجة أي العمل معها في بيوت الدعارة. هذه المهزلة التي مرّرها علاء الشابي في برنامجه هزّت صورة الأم والزوجة والأخت.
والأدهى من ذلك أن منشط البرنامج تعامل مع الحالة وكأنها ظاهرة عادية نعيشها كل يوم في منازلنا وأحيائنا وعمل على دفع ضيفته لتسمية الأسماء بمسمياتها فهو لا يعترف بالتلميح ويريد التصريح وهذا ما يسمّى بالاثارة الرخيصة التي تعمل على جذب الاعلام الى الوراء.
وبعيدا عن أي مقاربة أخلاقية لهذه الحصص التلفزية تبقى مسألة تناول الاعلام للخاصة مثيرة للجدل على خلفية اضعافها للشأن العام وتغييب المشاهد في ما يتعلّق بمجمل القضايا التي تؤثّر لا فقط في حياته بل في الصناديق الاجتماعية العامة ومن ثمّة تنساق هذه المجتمعات في مشروع يعتقد، من الظاهر، أنه يرصد هناته لكنه في الواقع يفرز حالة من الانفصام بين ما هو مطلوب فعليا من الإعلام وبين ما يقترحه منتج أو صانع المادة الاعلامية.
وستتواصل هذه الحلقة المفقودة والتي من المفروض أن تكون مؤسسا لبدائل اعلامية تتماشى وطبيعة المرحلة في اظهار المشاكل التي يتخبّط فيها اعلامنا في غياب تصوّر علمي صادر عن هيئات ومؤسسات تحتكم على الكفاءة اللازمة لطرح السؤال الآتي: أيّ اعلام نريد؟ والى أيّ اعلام نطمح؟ وفي المحصّلة لا هذا السؤال ولا ذاك نجد له اجابات في المشهد الاعلامي الحالي التونسي.