وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه عبد الجليل المسعودي وخالد الحداد : رضوان المصمودي - الحرية هي المناخ الملائم لنهضة شاملة تشمل الفكر الديني


المنتدى
بعد استضافة كل من الدكتور حمادي بن جاء بالله والدكتور حمّادي صمّود والدكتور المنصف بن عبد الجليل يستضيف المنتدى اليوم الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز الاسلام والديمقراطيّة الّذي أدلى بدلوه في مجمل القضايا السياسيّة والفكريّة المطروحة اليوم.

و«المنتدى» فضاء جديد تفتحه «الشروق» للتواصل مع قرائها بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة – في حدود 400 كلمة ) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:news_khaled@yahoo. fr .

نبدأ مع اختصاصكم العلمي وهو الهندسة الآلية والصناعية، فكيف تقرؤون انعكاس التقدم في العلوم المادية على العقل الانساني بصورة عامة؟

نحن نعيش في عصر التكنولوجيا وخاصة الكومبيوتر والاتصالات وآلة أصبحت جزءا من حياتنا اليومية وهو ما يجعل الانسان قادرا على انجاز أشياء في يوم واحد كنا نحتاج أشهرا وسنوات لتحقيقها. التراكم السريع للمعارف يجعل الانسان محتاجا الى ايلاء أهمية اكبر للتواصل. وهنا يكمن التحدي الاكبر. سرعة المعلومة يجب ان تساعد على تناقل المضامين لاغناء حياة البشر بالقيم والمثل والمبادئ. ولا تقدم للأمم والشعوب دون أنسنة التكنولوجيا وتطويعها لتحقيق الخير الذي يبقى الغاية السامية للمجتمع الانساني.

هناك من يعتبر الثورة التقنية كارثة على البشرية، الأسلحة الفتاكة، نهب الثروات ؟

العلوم تبقى أدوات تستعمل للخير والبناء كما يمكن ان تستعمل للشر والهدم. وقوى الخير يجب ان لا تكون في قطيعة مع التحولات التقنية ولا مستلبة. يجب ان لا نترك الآلة تهيمن او تسيطر وتحول الانسان الى تابع أو حتى عبد او خادم. لكن هذا لا يعني ان نتخلى عن العلوم والمعارف او ان نرتد بتطبيقاتها الى عصور الانغلاق.

ندرك الصراع القوي بين الخير والشر لكن يجب ان ندرك اكثر ان امتلاك التكنولوجيا هو مفتاح الحصول على موقع في العالم والدفاع عن مصالحها. قدرنا ان ننفتح على الاخر، وان لا يبقى هذا الانفتاح رهين نظرة استهلاكية سلبية او رافضة، لانه لا سبيل لأي نهضة مجتمعية أو تنموية دون التكنولوجيا ودون تنافسية اعلى في انتاج المعرفة والعلوم وتطبيقاتها. للأسف نحن نتحدث كثير حول المعرفة واشكالياتها ولكن نهمل الشيء الجوهري وهو اننا مطالبون بوعي اكبر بضرورة فهم التكنولوجيا الحديثة وتطويعها في كل الميادين. قبل ان نتحدث عن الجانب السلبي للمعارف يجب ان ننظر الى الجوانب الايجابية والتي منازلنا في العالم العربي والاسلامي بعيدين عن تمثلها واقعيا باستثناء بعض النماذج وخاصة ماليزيا وتركيا.


لا يستطيع احد ان ينكر ان الثورة التقنية خلقت نوعا جديدا من الفقر العلمي والتقني عمق الهوة بين الشمال والجنوب، وحولها من هوة معرفية الى هوة تنموية ؟

أنا زرت امريكا في برنامج اسمه « نقل التكنولوجيا» ودرست في اكبر جامعة تقنية في العالم وحصلت على الدكتوراه. وكان هدفنا تطوير بلدنا ولكن فوجئنا بان الشهائد التي حصلنا عليها غير معترف بها في تونس وقتها، تونس ايضا لم تعترف بالجمعية العلمية التونسية التي اسسناها عام 1985 لدراسة سبل تطوير العلوم والمعارف في تونس وكانت تضم 600 عضو، وحين عدنا لم نجد مشاريع متناسبة مع شهائدنا واختصاصاتنا والنتيجة هجرة 80بالمائة من المشاركين في البرنامج، الفقر المعرفي موجود ولكن المسؤول عنها ليس الشمال فقط وانما غياب استراتيجية واضحة للتقدم العلمي والتقني. في امريكا هناك 500 الف دكتور وباحث عربي ومسلم في اكبر الاختصاصات والمؤسسات ولكن للأسف لا احد نجح في توظيفهم واستيعابهم . وهنا يجب ان لا ننسى عاملا هاما في هجرة الأدمغة وهي السبب الرئيسي للفقر المعرفي وهو الكبت السياسي والاستبداد لان المعرفة تحتاج الى حرية والعقل المقيد لا يستطيع ان يفكر او يبدع. من اسباب قوة امريكا هي هجرة العلماء من روسيا والصين وألمانيا النازية سابقا بحثا عن الحرية. الاستبداد هو قرين الفساد وتجارب عديدة لاستنبات التنمية فشلت بفعل تحالف الفساد والاستبداد. لا أحد يغامر بالاستثمار في دول لا تحمي حق الفكر والاختراع ولا تشجع المبادرين.

أنت دكتور من الذين يدافعون عن نظرية ان الدكتاتورية هي سبب الفقر والتخلف، ولكن رحلت الانظمة المستبدة وزادت الشعوب فقرا وتخلفا؟

هذا غير صحيح لان الأنظمة الفاسدة لم ترحل بعد الذي رحل هو بعض رموز الفساد والمستفيدين منه ولكن الأنظمة مازالت قائمة وتغييرها يحتاج جهدا اكبر من تغيير الاشخاص. الاشخاص الجدد يطبعون مع الفساد ويصبحون جزءا منه في غياب نظام جديد قائم على الحرية والديمقراطية والمساواة بين المواطنين. وبناء النظام الجديد لا يتم في وقت وجيز. نحن الان في مرحلة انتقالية لم نكتب الدستور التوافقي ولم نغير القوانين ولم نطور العقليات وللأسف ما نشهده احيانا هو اعادة انتاج بعض الممارسات القديمة بأشكال جديدة واحيانا بنفس الاشخاص. الأولوية لتغيير الأنظمة لان تغييرها سيفتح المجال للأشخاص اما للتأقلم مع النظام الجديد او للبقاء على هامشه. قوة النظام الديمقراطي انه يعطي الفرص للجميع ويحرر كل الطاقات التي كبلها الاستبداد.

كيف يمكن ان نغير نظاما ؟

كما قلت هو تغيير النصوص المشرعة والقوانين و والعقليات عبر جهد كبير ومنهج مدروس وما ألمسه في دول الربيع العربي اننا ما زلنا لم نطور مناهج التعليم والثقافة لكي يتحرر العقل والثقافة. العقل الذي انتجه الربيع العربي ما زال عقلا مكبلا بالماضي، بعدم الثقة بالنفس، بالصراعات الأيديولوجية، بالمفاهيم الخاطئة للدين والحداثة وعلاقتنا بالآخر. نلاحظ ان كثيرا من النخب التي كانت مقموعة لم تستفد من رحيل أنظمة الاستبداد بل خلقت معركة جديدة ضد استبداد متخيل يستنزف منا جهودا عديدة في معارك مجانية أيديولوجية بالأساس. لكي تنجح الثورات يجب ان تتحول من منطق الهدم الى منطق البناء. وهو تحول أشاهد بداياته في تونس وأعاين كيف تعمل قوى الجذب والثورة المضادة على تعطيله وارباكه حتى يكره الناس الثورة ويقوى حنينهم الى الماضي الذي ثاروا ضده.

لكن هناك شكوك في قدرة الاسلام والمسلمين على التغيير والتطور والمساهمة بالتالي في اثراء الحضارة الانسانية؟

نحن في بداية صحوة جديدة للحضارة الاسلامية بعد سبات دام قرونا. المسلمون ينهضون اليوم للعب دور مؤثر في البشرية يعكس حجمهم الديمغرافي، اي حوالي ربع البشرية.

لقد كنا على هامش حركة التحديث أو في وضع المتلقي والمستهلك السلبي لمنتجات الحضارة من السندويتش الى الطائرة. ولكن المشكلة ليست في الاسلام. ليست عقائدية والدليل على ذلك ان الحضارة الاسلامية قادت البشرية 8 قرون علميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا. . . وأثبتت قدرة عجيبة على استيعاب مختلف الروافد الثقافية والحضارية والتفاعل معها، من الهند والصين الى افريقيا ومن ايران الى الاندلس ومن الجزيرة العربية الى أوروبا. الاسلام ليس دين انغلاق كما تروج بعض المدارس الاستشراقية.

واوروبا نفسها تعلمت الكثير من الاسلام وأخذت العديد من قيم النهضة والحرية والتنوير. الاسلام كان نموذجا للتعايش السلمي والتعاون بين البشر والمذاهب والاديان. في وقت كانت أوروبا تشهد نزاعات عرقية ومحاكم تفتيش وصراعات قومية ومذهبية. لا يجب ان ننسى كيف تأسست أمريكا. المهاجرون وقتها لم يكونوا يبحثون عن الثروة أو الذهب بل كانوا يبحثون عن الحرية ويهربون من الاستبداد والقهر الديني والاستبداد. بعض المفكرين الامريكيين يعترفون بان النموذج الذي استلهمه المهاجرون الى العالم الجديد كان نموذج الحضارة والتعايش الاسلامي قبل سقوط الاندلس وخلال توسع الخلافة العثمانية.

اذن لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟

هي دورة الحضارة. حين تبلغ المعارف ذروة التقدم تصاب العقول بنوع من الكسل والجمود. وهذا ما حدث لحضارتنا التي أفاقت بعد قرون من الجمود الفكري والسياسي على مدافع الغزاة. «صدمة الآخر» كانت عنيفة ومعها بدا حلم النهضة الذي كان من المفروض ان يتحقق برحيل المستعمر ولكن رحل المستعمر وحل معه الاستبداد ثم الفساد. الرهان الحقيقي للربيع العربي هو التحرر من منظومة الانحطاط والتأخر ودخول عصر الحرية والديمقراطية التي يراها البعض خطرا على الاسلام. رغم انهما الشرط الاساسي لنهضة ثانية لن تكون بالعودة الى الوراء وانما بالتخلص من الحواجز التي تمنعنا من التقدم الى الامام، الحرية هي المناخ الملائم لنهضة شاملة تشمل الفكر الديني.

دكتور هناك اجماع على تراجع الروحانيات وان وصول الاسلام السياسي للحكم سيكون عائقا أمام نهضة المنطقة؟

هذا استنتاج ايديولوجي. قبل نصف القرن كان الراي السائد هو تراجع مكانة الدين وهناك من تحدث عن «وفاة الاله» باعتبار البشرية وصلت الى قمة التطور المادي ولم تعد محتاجة الى الميتافيزيقا. ما حدث في العقود الماضية هو مصداق قوله تعالى « انما يخشى الله من عباده العلماء». تطور العلوم اظهر للانسان محدودية المعرفة ونسبيتها، وايضا ان المادة ليست الا مكونا من مكونات الوجود وهو ما يفسر العودة القوية للروحانيات وللدين بصورة خاصة.

الحضارة المادية وصلت الى مازق وطريق مسدود. في امريكا مثلا تبين ان اعلى نسبة انتحار هي عند الاغنياء وذلك نتيجة الفراغ الروحي. الجانب الروحي مهم واساسي والمجتمعات المتقدمة ادركت ان الانسان «ذا البعد الواحد» انسان غير متوازن ولا يمكن ان يبني مجتمعا متوازنا. التقدم ليس ماديا فقط ولا روحانيا فقط وانما بهما معا.

عودة الروحانيات تجرنا الى التساؤل هل يمكن اعتبار تيارات مثل المحافظين الجدد نوعا من السلفية ؟

الدين عاد بقوة للمجتمع الامريكي وخاصة عند الشباب. الجدل محتدم حول العلاقة بين الديني والسياسي والحدود بينهما وخاصة في مجال الحريات الاجتماعية. هناك الان نقاشات حول مواضيع مثل الاجهاض والزواج المثلي. . . اعتقد ان الثورة المجتمعية التي شهدتها امريكا في الستينات وكرست مفهوم «الحرية الفردية» اصيبت بانتكاسة بعد صحوة التيارات المحافظة التي تريد الحفاظ على «قيم الاسرة» المحافظون الجدد هم جزء صغير من التيار المحافظ. والمفارقة انهم كانوا ديمقراطيين ليبراليين، وبعد صعود رونالد ريغان للحكم «انقلبت» مواقفهم وتبنوا رؤية محافظة بالمعنى السياسي وخاصة العسكري تنظر لقوة امريكا وهيمنتها على العالم. المحافظون الجدد لا علاقة لهم بالرؤية الاخلاقية والقيمية في التوجه المحافظ ولذلك نعتوا «بالجدد».
فهي نظرية سلفية بالمعنى الاخلاقي لا بالمعنى الديني الذي تمثله تيارات اخرى متطرفة دينيا وهي مؤثرة جدا في الحزب الجمهوري وتدعم الان بقوة المرشح «ميت رومني».

اذن هل تعتقدون دكتور ان نجاح «ميت رومني» قد يؤثر سلبا على علاقة امريكا بالحركات الاسلامية الحاكمة في العالم العربي؟

في أمريكا يوجد تيار نخبوي يقر بضرورة التعايش مع الاسلام والمسلمين. ولكن الرأي العام متخوف من الاسلام والمسلمين وطبعا من الاسلاميين. الجمهوريون وميت رومني مرشحهم اقرب الى هذا التوجه المعادي للاسلام والمسلمين والاسلاميين. العداء ناجم عن عدم التمييز بين المسلم والاسلامي من جهة، والاسلامي المعتدل وتيارات التشدد الديني وخاصة الحركات الجهادية من جهة اخرى.

المشكلة ان كثيرا من مستشاري المرشح الجمهوري هم اما من المحافظين التقليديين الذين يناصبون الاسلام العداء على خلفية دينية، أم من المحافظين الجدد الذين يعتبرون التشدد الاسلامي خطرا على الأمن الامريكي.

لنتوقف قليلا عند موضوع صورة الاسلام والمسلمين في امريكا، المفكر العربي الأمريكي ادوارد سعيد، قدم قراءة نقدية للاستشراق هل ترون انها اثرت ايجابيا في نظرة النخبة والمجتمع في امريكا للعرب وقضاياهم؟

الجالية العربية بدا تأثيرها يبرز أكثر فأكثر من خلال المنظمات والجامعات ومراكز البحوث. وادوارد سعيد كان له دور كبير في تفكيك المنظومة العدائية للاسلام والمسلمين. وهي منظومة متعالية تستهزئ بالثقافة العربية الاسلامية التي تعتبرها ثقافة بدوية بل بدائية متعارضة مع قيم الحضارة والتمدن. سعيد تحدى هذه المنظومة بنجاح لأنه اختار مواجهتها من الداخل وبطريقة ايجابية وليست عدمية. من خلال موقعه الأكاديمي وكتاباته ومحاضراته سعى الى اختراق الدوائر المحصنة في الفكر والسياسة، والى خلخلة المسلمات والصورة النمطية عن العرب والمسلمين.

مدرسة ادوارد سعيد فتحت الباب لكثير من الباحثين العرب والمسلمين وغيرهم للدفاع عن صورة جديدة للاسلام في امريكا من بينهم جون سبوزيتو واسماعيل الفاروق وجيمس زغبي وسبلي تلحمي وعزيزة الهبري وعبد العزيز ساشادينا. . . للاسف الحكومات العربية لم تدعمهم قبل الثورات ولا بعدها. والاختراق الأكاديمي لا يكفي في مجتمع واقع تحت تأثير لوبيات تعمل عبر شبكات معقدة لتشويه صورة العرب والمسلمين بل وتشويه من يدافع عنهم. بعد 11 سبتمبر المسألة أخذت أبعادا امنية ومن السهل التشويش على أي شخص يدافع عن صورة متوازنة، أو عن موقف عادل من عديد القضايا وخاصة المتصلة بالاسلام السياسي والقضية الفلسطينية. وهو ما يفسر دعوتي دائما للوبيات عربية مؤثرة وهذا بالضبط ما حاولت تجسيمه عبر أنشطة مركز دراسة الاسلام والديمقراطية .

هذا يقودنا دكتور الى سؤال عن قراءة أمريكا للربيع العربي وخاصة بعد الانتخابات التي أفرزت صعود الاسلاميين للحكم؟

في البداية كان التعاطف مع الربيع العربي. ونتذكر كيف وقف الكونغرس الأمريكي تحية لثورة تونس. واشنطن رحبت بالقيم والشعارات التي رفعت من اجل الحرية وضد الظلم والاستبداد. ولكن بعد الانتخابات وجدت شكوكا ومخاوف من الأحزاب الاسلامية التي يجهلون عنها كثيرا من الأشياء.

السؤال المطروح اليوم بقوة في امريكا هو هل الأحزاب الاسلامية الفائزة في الانتخابات قادرة أو راغبة في تحقيق الديمقراطية التي قامت من اجلها الثورة ام ان أجندتهم دينية بحتة، تتنافى مع حقوق الانسان والمواطنة والحريات ولنتحدث بصراحة. هذه المخاوف ناجمة أولا عن غياب استراتيجية تواصلية للحوار مع الآخر بصورة عامة والغرب بصورة خاصة، وثانيا من تعويل مفرط على العلاقات والمبادرات الفردية غير المدروسة في غياب مؤسسات قوية وبرامج واضحة للتحرك. في مقابل ذلك هناك نشاط كثيف ومنظم للأطراف المعادية للاسلاميين والتي نجحت في توظيف جزء من الشبكات الحقوقية والاعلامية التي حاربت الدكتاتورية للتشكيك في نوايا الحكومات الثورية .


المشكلة ان بقاء الرئيس باراك اوباما في السلطة سيساعد على الحوار وسيمنع اي تهديد جدي للمشروع الديمقراطي الاصلاحي للاسلاميين. ولكن صعود ميت رومني في غياب تحرك قوي لكسب الراي العام الامريكي سيؤثر سلبا في العلاقات الأمريكية مع الأنظمة الجديدة في العالم العربي وهو ما يستدعي التحرك القوي في الاشهر القادمة قبل الانتخابات الامريكية.

دكتور هناك من يعتبر الربيع العربي جزءا من خطة الشرق الاوسط الكبير التي أعدها المحافظون الجدد فكيف ستكون عودتهم للسلطة خطرا عليه؟

امريكا مقتنعة ان الانظمة المستبدة لا تخدم مصالحها وتمثل خطرا حقيقيا على المنطقة وهي السبب الرئيسي والاساسي لبروز ظاهرة الارهاب لانها سدت كل منافذ الاصلاح والمشاركة وغذت في نفوس الشباب النقمة على القوى التي تدعمها ودفعت بهم الى العنف كبديل.

هي مقتنعة بالاصلاح الديمقراطي والمحافظون الجدد مقتنعون بذلك ولكنهم لا يقبلون بالاسلاميين لانهم بعتبرون «الاصولية الاسلامية» خطرا على امنهم القومي الاستراتيجي، وعلى مصالحهم في الشرق الاوسط المرتبطة، أساسا بالنفط واسرائيل، والطرق والمنافذ البحرية. وفي الحقيقة الموضوع مرتبط بتهديدات استراتيجية فعلية ولكن ايضا بسباق التسلح. الاقتصاد الأمريكي مرتبط بالانفاق العسكري وشركات صناعة السلاح لوبي هام ومؤثر ويحتاج دائما ذرائع للحفاظ على ازدهار الصناعات الحربية.

المحافظون التقليديون ومنهم المرشح «ميت رومني» لهم خلفية دينية. ينظرون للمسالة في اطار صراع اديان وحضارات. وهذا ما يعني ان الادارة الامريكية ستكون اكثر احترازا تجاه الاسلاميين ان لم نقل معاديا في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات القادمة.

نبقى في موضوع الانتخابات الامريكية. هل من الممكن ان يتاثر الرئيس اوباما المعروف بانفتاحه على العالم الاسلامي بالمزايدات الجمهورية كما حدث في فرنسا بتبني اليمين واليسار مواقف قريبة من اليمين المتطرف؟

في فرنسا الموضوع مختلف عن الولايات المتحدة. المهاجرون كانوا منذ الثمانينات وبداية صعود اليمين المتطرف محورا رئيسيا في الجدل السياسي ومحددا لنجاح الحكومات في معالجة ملفات هامة مثل الأمن وخاصة في الضواحي، والهوية الوطنية، والهجرة السرية.. خطاب اليمين المتطرف موضة، ولا ننسى ان زعيمه نجح في الوصول الى المرحلة النهائية في الانتخابات ضد شيراك منذ سنوات وتشكلت جبهة جمهورية بين اليمين واليسار لاول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة وفاز جاك شيراك بنسبة 82 بالمائة.

الانتخابات الامريكية يحددها الوضع الاقتصادي ومدى نجاح الادارة الديمقراطية في اقناع الامريكيين بانها حسنت وضعيتهم. والعلاقات الخارجية ليست موضوعا رئيسيا للناخب الامريكي والدليل نجاح جورج بوش الثاني في دورته الرئاسية الثانية رغم الانتقادات الكبيرة لادائه في العراق.

ولكن هذا لا يمنع من أن صعود الاسلاميين للسلطة بدأ يحرج أوباما ويوظف من الجمهوريين للتشكيك في سياساته. والرئيس الامريكي محتاج الى اظهار نتائج ايجابية عاجلة للربيع الربيع للرد على الانتقادات والمخاوف والاتهامات الموجهة له بانه ضحى بحلفاء امريكا في مغامرة فاشلة وغير محسوبة العواقب.

وهو ما تؤكده مواقف ادارته من تونس. فقد رفضت الانجرار وراء حملات التخويف من حركة النهضة، وشيطنة بعض سياساتها ورموزها وخاصة في علاقة بموضوع السلفيين. وعبرت عن دعمها للحكومة الجديدة بل اعتبرت تونس نموذجا، ولا يمكن ان نعتبر ذلك من باب «الديبلوماسية» لان موقفها من الاخوان في مصر ليس موقفها من النهضة في تونس رغم الهواجس التي تعبر عنها احيانا.

هل ترون، دكتور، أن أمريكا متخوفة أو رافضة لتسليم الحكم للاخوان المسلمين؟

الادارة الحالية عبرت صراحة عن ضرورة احترام نتائج الانتخابات وعدم تزويرها وطلبت تسليم الحكم للرئيس المنتخب وبخروج العسكر من السلطة ومن اللعبة السياسية. وهو موقف شجاع وجريء ولا يحمل اي لبس. امريكا أوضحت موقفها وهو الانحياز للديمقراطية وارادة الشعوب مهما كانت نتيجة «الربيع العربي». وهو موقف تاريخي يذكرنا بمواقف الرئيس ويلسون بعد الحرب العالمية الاولى وبدور امريكا في محاربة النازية. هذا الموقف يمكن ان يتدعم ويمكن ان ينتكس في حال فشل الاخوان في تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والاقليات. واعتبر ان الكرة في ملعبهم قبل ان تكون في ملعب الادارة الامريكية الحالية أو حتى القادمة في حال نجح الجمهوريون.

كيف ذلك؟

الاسلاميون امام فرصة تاريخية للبرهنة على انه لا تعارض بين الاسلام والديمقراطية. وان الحرية التي تعتبر ركنا اساسيا في منظومتنا العقدية والمعاملاتية، ضد الاستكراه والاضطرار.

وهم مطالبون بالبرهنة على ذلك عمليا وواقعيا بالانفتاح والتعاون مع القوى الاخرى. والمعطى هو الهام الذي يشجعهم ويجبرهم في نفس الوقت على التقدم للامام في هذا الاتجاه هو ان الشعوب العربية التي نالت الحرية لن تعود الى الدكتاتورية سواء كانت دينية ام عسكرية.

وبقطع النظر عن العلاقة مع امريكا والغرب فان الحركات الاسلامية يجب ان تفهم ان حلفاءها الحقيقيين ليسوا التيارات المتشددة ولا أتحدث هنا عن الحركات الجهادية التي لا خلاف حول رفضها للمشاركة السياسية، وانما عن التيارات الاخرى وخاصة السلفية, الحليف الطبيعي للاسلاميين هم الشعوب التي تتوق للحرية وتريد طي صفحة الفساد والاستبداد. وقد أظهرت الانتخابات المصرية بحصول الفريق احمد شفيق على نسبة قريبة من مرشح الاخوان محمد مرسي، ان تشدد التيارات الاسلامية وانغلاقها على نفسها، يصب في مصلحة قوى الثورة المضادة.

في تونس نفس الشيء ولكن بطريقة اقل سوءا لان النهضة وافقت على الفصل الاول من دستور 1959 والدولة تحركت بقوة ضد التيارات المتطرفة. ولكن هذا لم يمنع محاولة البعض تكرار سيناريو التسعينات وهو تحالف التجمعيين مع اليسار لتشكيل جبهات مناوئة للنهضة. وهو توجه غير بناء لان تونس تحتاج حياة سياسية متوازنة بين قوى متكافئة، وليس جبهات على اساس الاستقطاب والفرز الايديولوجي.

هناك من يتهم الاسلاميين بالاستحواذ على السلطة وهو يدفعهم الى ارتكاب أخطاء في التسيير ؟

الامور تسير في تونس بسرعة كبيرة والجميع يريد ان ينجز في اشهر قليلة ما يتطلب انجازه سنوات. الهاجس هو حماية الثورة من الانتكاس ومن قوى الجذب والردة. وهو هاجس مشروع ومبرر ولا ينكره احد. ولكن هذا لا يبرر التسرع الذي يدفع الى ارتكاب أخطاء. ولا يبرر ايضا العودة لانتاج خطاب تغلب عليه فوبيا الانفتاح على الطاقات. لننظر مثلا في حالة النهضة. هذه حركة تعرضت للقمع والظلم وتوزع أبناؤها بين السجون والمنافي وهي قد تحتاج وقتا لتنظيم صفوفها وتحديد اولوياتها. ومع ذلك نجحت الحركة في احياء تنظيمها الشعبي والنجاح في الانتخابات واستطاعت رغم كل شيء تعبئة جزء كبير من كوادرها واعتقد ان المؤتمر سيدفع في اتجاه تقوية الهياكل وتوضيح عديد المواقف الذي مازالت تحتاج الى تدقيق. أيضاً الأشهر القادمة قد تساعد على توازنات جديدة في الساحة السياسية تمكن الترويكا من مراجعة بعض الحسابات.

هنا اسجل الدور الايجابي الذي لعبه الاعلام في اكتشاف عديد الأخطاء وهو ما أدى الى تصويب السياسات ولكن لا ينكر احد ان الاعلام لعب دورا في تضخيم او حتى افتعال بعض الأخطاء لارباك الحكومة ودفعها الى الفشل. وهنا نقولها بصراحة نعم الترويكا ارتكبت أخطاء ولكن ليس بالفداحة التي يصورها البعض او يسعى لتسويقها في الخارج. وهنا استغرب كيف يقيم بعض شركاء تونس الوضع الداخلي بمعيار دولة لم تشهد ثورة أطاحت بنظام فاسد ومستبد. ليس من المعقول ان نحمل الحكومة او النهضة اكثر من طاقتها او ان نحكم عليها مسبقا بالفشل ونبعث برسائل محبطة للشعب لا تشكك في انتصار النهضة والترويكا بل في جدوى الثورة.

في الاطار نفسه وهو السرعة في الاستحواذ على السلطة. هناك اتهام صريح للنهضة تحديدا بتقديم تنازلات مجانية للغرب وأمريكا بالخصوص وان السلفية ستكون ورقة مقايضة ممكنة بين الطرفين؟

لا علم لي باي تنازل قد تكون النهضة قدمته للخارج بصورة عامة وأمريكا بصورة خاصة. ما وقع حتى قبل الانتخابات وحتى قبل الثورة وهو ما كنت شاهدا عليه ليس تنازلات او مغازلة وانما تطمينات في اطار حوار شفاف يستحق الاحترام. النهضة ملتزمة بالديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة وأنها معنية بالحفاظ على الأمن والسلام في المنطقة مع التزامها بالدفاع عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية. وهي التزامات علنية في الحقيقية ووردت في أدبيات النهضة وفي كتب الشيخ راشد الغنوشي وهو شيئ يحسب للنهضة التي لا تعلم بأجندة مزدوجة وخطاب مزدوج كما كان يروج بن علي وكما يفعل الان كثير من خصومها.

في خصوص موضوع السلفية. هناك أطراف تعمل على تغذية هذه الظاهرة داخليا وخارجيا لارباك الانتقال الديمقراطي وافشال التجربة التونسية لان هذه القوى ليست من مصلحتها نجاح الديمقراطية.

والنهضة تعاملت مع هذا الموضوع بطريقة حذرة ولكنها مثمرة نسبيا لانها أدت الى عزل التيارات الجهادية حتى في الوسط السلفي نفسه عوض الدخول في مواجهة جماعية لا تميز بين من يدعو للعنف وبين السلفية العلمية والدعوية. شخصيا انا مواقفي معروفة من السلفية ومن كل من يدعو للعنف أو يمارسه حتى من القوى العلمانية، وكنت دعوت الحكومة والنهضة تحديدا الى التحرك لمعالجة الملف قبل استفحاله واعتقد ان المطلوب هو الحوار الفكري والديني والسياسي مع من يؤمن بالحوار وتطبيق القانون مع من يخالف القانون او يتعدى على سلطة الدولة وحقوق المواطنين. انا اعتبر ان النهضة وكل القوى الديمقراطية مطالبة بنشر فكر اسلامي متأصل حداثي وديمقراطي ومقنع للشباب عوض خطاب الشيطنة او التواطئ.

ماذا تقصدون بهذا الفكر الجديد؟

هو ليس فكرا جديدا بل هو مدرسة عريقة في تونس وفي الخارج وهو يعبر عن تيار تاريخي حمى حضارة الاسلام من التقوقع والانغلاق والاندثار. عندما كتب الطاهر ابن عاشور ان الحرية مقصد من مقاصد الشريعة فهذا فكر متفاعل مع واقعه متجانس مع تاريخ اجتهادي قبل عصور الانحطاط عندما كانت حرية الفكر والعقيدة محفوظة للمسلم ولغير المسلم وكان الناس يتجادلون في وجود الله وفي صفاته في المساجد. بعد 14 قرنا نشعر ان بعض الأسئلة التي كانت مطروحة في الماضي اصبحت من المحرمات اليوم. اذكر تأثري بمحاضرة لقس لبناني في جامعة جورج تاون عن التعايش الاسلامي المسيحي في الشرق في القرنين التاسع والعاشر ميلادي. كان يتحدث باعجاب عن قيم وممارسات نفتقدها اليوم في واقعنا. الخليفة كان يجتمع شهريا بممثلي الديانتين للتحاور بين علماء الملتين. شعرت كمسلم بالفخر لان ما وصفه القس غير موجود اليوم في ديمقراطية مثل أمريكا ولا الغرب. الحوار يقتضي الحرية وهو ثمرتها. لان اكبر خطر على الاستبداد هو الحوار الحر. ولا معنى للحياة دون حرية. وهنا اقول ان الاسلام هو دين الحرية لانه يقرن المسؤولية بالارادة الحرة فلا حرج ولا اثم على المضطر ولا اكراه في الدين .

ولكن هل يعني ذلك أنكم مع الحرية المطلقة التي هي محل جدال ونزاع في تونس في علاقة الزمني بالروحي؟

لا يجوز الاستخفاف بهذا الموضوع او تسطيحه او الاستعجال في حسمه او محاولة فرض رؤية معينة له بالقوة. تونس مجتمع له تقاليده وله علاقته الخاصة بالحداثة. والشعب التونسي لن يفرط في حريته ولا في أخلاقه النابعة أساسا من الاسلام. وهذا ما يجب ان يدركه الاسلاميون والعلمانيون. لا وجود لحرية مطلقة وما يقيد الحرية هو التوافق بين الناس.

وفي تونس هناك اجماع مثلا على احترام المقدسات ولكن خلاف ما هي هذه المقدسات. وما هي حدود احترامها. من يحدد ذلك هو القانون وأيضا العرف المجتمعي ومن يعبر عن ذلك هو الديمقراطية عبر الانتخاب الحر الذي لا يؤدي في جميع الأحوال الى الانتقاص من الحريات الفردية والجماعية. وما يبعث على الاطمئنان في تونس هو حسم موضوع الفصل الاول من الدستور وايضا تأكيد الترويكا انها تريد دستورا توافقيا يعبر عن رأي الشعب التونسي وليس عن راي الأغلبية التي أفرزتها الانتخابات.

وظيفة الدستور هي عكس ما يتوقع البعض ليست تكريس منطق الأغلبية ولكن ضمان ان لا ينفرد اي طرف بالقرار ويتعدى على حقوق الاخرين. اغلبية اليوم قد تكون أقلية غداً وهو يعني ضرورة تحديد سقف لا يجوز لاحد تجاوزه او التلاعب به. في امريكا تتداول الادارات وتتغير السياسات ولكن لا مجال لانتهاك الدستور الذي يحمي كل المواطنين وحتى المقيمين. وحين يحصل اللبس في تأويل الدستور هناك محكمة مختصة لفض النزاعات الدستورية .
لكن دعني أضع المسالة في اطار عام هو العلاقة بين الأخلاق والديمقراطية.

في الغرب اقترن مفهوم الديمقراطية بالحرية الفردية التي تبيح كل شيء تقريبا. قد أفاجئك حين اقول ان العالم ينتظر من حكم الاسلاميين اضافة نوعية لهذه الاشكالية كيف نبني ديمقراطية تحترم الحريات وفي نفس الوقت القيم الدينية والمجتمعية. وانا استغرب كيف يناقش البعض في تونس مواضيع مثل اغلاق المواقع الاباحية ويعتبر ذلك من شروط اللحاق بالغرب رغم ان الغرب نفسه عاد بقوة لمنطق الأسرة او هو يدرك على الأقل خطورة الحرية الفردية المطلقة على توازن المجتمع.

لنختم بالسؤال عن المستقبل؟

أنا متفائل جدا لان الاسلاميين فهموا انهم لا يعيشون في عزلة عن العالم والغرب فهم انه لا يستطيع ان يهيمن على شعوب تتوق الى الحرية والعدالة والكرامة. منطق الهيمنة والاقصاء ولى دون رجعة واعتقد ان المرحلة القادمة ستكون مرحلة الحوار والتعايش والاحترام المتبادل رغم المخاوف الموجودة لدى الطرفين.

تفاؤلكم ايجابي ولكن الانتقال الديمقراطي يشهد صعوبات في تونس؟

الانتقال الديمقراطي أمر صعب ويلزمه وقت. وتونس بامكانها انها تبرهن انها نموذج ناجح في الحكم وفي العلاقات مع الغرب المبنية على المصالح المتبادلة والقيم الانسانية المشتركة وتطويق حالة العداء الحضاري التي تعمقت بعد 11 سبتمبر. الانظمة الدكتاتورية اعتبرت «مقاومة الارهاب» هدية كبرى لتشرع المزيد من القمع وكبت الحريات واستهداف القوى السياسية دون تمييز. وتحالفها مع امريكا تحديدا لم يحقق نتائج حاسمة بل على العكس قوى تيارات التشدد. نحن الان نريد علاقات تعاون ايجابية. لا نريد علاقات عدائية ولا نريد ايضا علاقات خضوع وتبعية كما كان في الماضي.

الانظمة الدكتاتورية كانت ترفض الرضوخ للاملاءات الخارجية ولكن في موضوع واحد هو تحسين وضع حقوق الانسان ومقاومة الفساد. كانت أنظمة عميلة لانها تعمل ضد مصالح شعوبها ومصلحتها هي بقاؤها في السلطة. هذا ما فعله بن علي حين حاول اقناع الغرب بانه سد منيع امام التطرف ولكن تبين لاحق انه عدو للديمقراطية وانه مستبد يرفض الحرية.
تونس بمقدورها بناء علاقات متوازنة مع أمريكا تحقق مصلحة الشعب التونسي وليس مصلحة من يحكم تونس.

انا متفائل ونجاح التجربة التونسية سيساعد بقية الدول العربية على الخروج من هذا النفق المظلم الذي بدأ بالاستعمار ثم بالاستبداد وسيزول بدخول امتنا عصرا جديدا هو عصر الحرية والكرامة.

من هو رضوان المصمودي؟
رضوان المصمودي هو مؤسّس ورئيس مركز دراسة الاسلام والديمقراطيّة (مداد) وهي منظّمة غير ربحيّة وغير حكوميّة تعنى بدعم الحرّية، والديمقراطيّة، والحكم الرشيد في العالم العربي والاسلامي وبتحسين صورة الاسلام والمسلمين في الولايات المتّحدة.
يشغل المصمودي أيضًا دور رئيس تحرير نشريّة المركز الدوريّة «المسلم الديمقراطي» وكتب العديد من المقالات حول موقف الاسلام من الديمقراطيّة، والتعدّدية وحقوق الانسان والتسامح.
نظّم المصمودي و شارك في العديد من المؤتمرات العالميّة الكبرى في المغرب، الجزائر، تونس، مصر، تركيا، قطر، الأردن، السودان، نيجيريا، الفلبين، ألمانيا، جنوب افريقيا، لبنان، والولايات المتّحدة.
ظهر المصمودي على العديد من القنوات الدولية ومنها «س.ن.ن»، «الجزيرة»، «فوكس نيوز»، القناة الجزائريّة، «م.ب.سي»، وغيرها.
عضو مؤسّس ومشرف سابق على «شبكة الديمقراطيّين في العالم العربي» التي تضمّ أكثر من 800 ناشط وباحث وقائد ديمقراطي من مختلف التوجّهات والتيّارات الفكريّة والسياسيّة.
تحصّل على الباكالوريا من المعهد التقني لأريانة سنة 1981 و تحصّل على منحة للدراسة في الولايات المتّحدة الامريكيّة
تحصّل المصمودي على شهادة الدكتوراه من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT وهو متزوّج و له أربعة أطفال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.